سياسةمستجدات

يجب ان تكون محمد مهيدية كي تنحني وتقبل رأس إلياس العماري

الخط :
إستمع للمقال

 

ما بين قصر قامة إلياس العماري وطول قامة محمد مهيدية، حوالي ربع المتر تقريبا، ولكن طول القامة لا يعني بالضرورة رفعة الهامة، فربع متر يضم عشرات السنتيمترات، ومئات الملمترات، قد تكون عبارة لآلاف النقط السوداء التي يصعب كشفها بالعين المجردة.

ولنترك لغة الالغاز والكلام المشفر لنحكي قصة والي الرباط الذي انحنى أمام عدسات الكاميرات كي يرسم قبلة مبهمة على رأس القيادي السياسي المثير للجدل إلياس العماري.

نحن لا نريد هنا ان نعيب عن محمد مهيدية قبلته على رأس الياس العماري، فللمحبين اسرار لا يعلمها الا من يعيش بقربهم، ولكن، لو فعلها والي من الولاة في زمن الوزير القوي ادريس البصري، لما بات ليلته في منزل الوظيفة الذي عادة ما يكون قريبا من مقر العلامة، فالبصري كان يطيل الانحناء والتقبيل على يدي الملك الراحل الحسن الثاني، وحين ساله يوما صديقه جاك شيراك عن سر تميزه في تقبيل يدي الحسن الثاني، اجابه بلغة فرنسية تحولت حروفها الى نطق معرب “انني اقبل عبقرية عمرها 500 عام، ولو كان بوسعي لقبلت الراس واليدين معا”، ولعل المهيدية يقبل بدوره راس عبقري خرج من نافذة زعامة حزب سياسي ليعود بعد حوالي شهر تقريبا من ثقب موجود في سطح هذا الحزب.

ان هذا الكلام يغني عن كل شئ، حتى ان الملك محمد السادس، منذ كان وليا للعهد، كانت تبدو على وجهه انه متضايق من حركات تقبيل اليدين، وقد لاحظنا في البروتوكولات الجديدة ان تقبيل اليدين يختفي تدريجيا، علما اننا بصدد ملك هو في الاصل حفيد للرسول الكريم ووارث لعرش عمره مئات السنين.

ان اللغة العربية تحمل أسرارا غريبة عن القبلة بالقاف المرفوعة، والقبلة بالقاف المكسورة، ومعنى الكلمتين  يلتقي في مصدرهما اللغوي الذي هو “الاقبال على  الشئ”، ولعل الإقبال على رأس الياس العماري يخفي سرا لا يعلمه الا والي الرباط، ونحن نستلهم حديث الرسول الكريم : “إنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى،….ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ..فهجرته الى ما هاجر اليه”.

لقد استغرب كثير من الصحفيين ممن حضروا وعاينوا هذه المسرحية المخجلة، فقال أحدهم مستهجنا ما وقع : “لقد كان بالأحرى على الوالي أن يقبل رجل اللاعب بنعطية الذي تمكن بدهاء من تسجيل اصابة رائعة في مرمى فريق الكوت ديفوار. وتساءل صحفي اخر ساخرا : “هل تمكن رأس الياس العماري من تسجيل هدف لم اره او اغفلته؟”، فما كان من زميل له الا ان قال بأعلى صوته : “نعم فالعماري سجل هدفا في مرمى والي الرباط محمد لمهيدية وهدفا آخر في مرمى فوزي لقجع الذي سمح له بالعودة في طائرة الفريق او لعله كان مشغولا بنزاعه مع رئيس جامعة الكوت دوفوار”.

هكذا إذن، تحول سلوك الوالي الى نكتة تتداولها الالسن، وهو الذي كان يوما ما عاملا بمدينة تمارة، ثم واليا على مراكش، قبل ان يرحل الى وجدة، ومن تم يحط الرحال بالرباط، وهذا يعني ان صاحبنا له من التجارب ما يكفي لكي لا يرتكب زلة من هذا النوع.

ويحكى ان وزير الدولة الراحل مولاي احمد العلوي غضب يوما من صاحب مقهى في مدينة سطات رفض تسليمه الهاتف الثابت، كي يتحدث مع مدير ديوانه في الرباط، فصاحب المقهى لم يعرف الوزير وطالبه باداء درهم قبل المكالمة، فما كان من الوزير المشهور الا ان طلب من سيارة الشرطة اخبار عامل المدينة ليحضر في الحين، وكان العامل حينها يدعى محمد الدخيسي، وكان صهرا للجنرال القوي احمد الدليمي، فلما حضر كان يرتدي بذلته الرسمية، فقام على الفور بمعاتبة صاحب المقهى، وهدأ من غضب وزير الدولة، وهو يقول بصوت عال: “اسمع امولاي احمد، والله لولا هبة اللباس الذي ارتديه، وكوني عاملا لصاحب الجلالة بهذا الإقليم، وكون التكليف الملكي  وثقة المواطنين باسمى من كل شئ، لما ترددت في تقبيل رأسك، كي لا تحمل حقدا لنا في قلبك، فانت علوي ومن اسرة علوية، فما كان من احد المشردين، وكان معروفا في المدينة، إلا ان ارتمى على رأس الوزير ليقبلها، وهو يردد بأعلى صوته : يحيى العلوي، يحيى العلوي ..وكان لا يقصد الوزير، بل يقصد لاعب النهضة السطاتية والمنتخب الوطني حينها أحمد العلوي”.

ان في مثل هذه الحكايات عبرا كثيرة لمن اراد ان يعتبر، فرجل السلطة الذي اصبح واليا بتعيين وثيقة ملكية، يجب ان يجسد هذا التكليف السامي، ويكون في مستوى رمزيته خاصة ان القبلة التي وضعت على راس الياس العماري، لها تاثير سياسي خطير، ولو كان زعماء الاحزاب يمتلكون ما يكفي من الشجاعة، لاحتجوا على سلوك الوالي، بل ولتوجهوا جماعة الى مقر الولاية، مصحوبين بالصحفيين والمصورين، ليطلبوا من محمد مهيدية، تقبيل رؤوسهم، اسوة برأس متزعم حزب الاصالة والمعاصرة.

لقد روى لنا التاريخ  البريطاني ان فرسان الامبراطورية التي كانت لا تغرب عنها الشمس، كانوا  في العصور الوسطى يقبلون رؤوس بعضهم البعض، قبل الذهاب الى القتال، وكانت هذه القبل تحمل معنى الثقة وعدم الخيانة والمكر، وكانت بمتابة التعاهد على عدم الخيانة اثناء الحروب.

ومن الطرائف التي يرويها التاريخ، ونوردها هنا للتخفيف على الذين اغاضهم موقف الوالي، ان الجنود في الولايات المتحدة الامريكية الذاهبون الى الحرب في بداية القرن، كانوا يطيلون القبل مع زوجاتهم اللاتي اتين لتوديعهم  بمحطة القطار، فخصص المسؤولون في مدينة ديرفيلد بولاية إلّينوي، منطقتين في المحطة : منطقة يسمح فيها بالتقبيل، ومنطقة لا يسمح فيها بالتقبيل، وفي مطار نيوأورليانز علقوا لافتة كتب عليها : “يرجى البدء بقبلات الوداع قبل ساعةٍ من موعد مغادرة الطائرة!”.

تمنينا لو اطلنا الكتابة والحديث عن قبلة الوالي ورأس “الزعيم”، ولكن عبد الرحمان بن الحكم اسكتنا من قبره ببيته الشعري الذي اصبح مثلا يتداوله العرب : “ولقد أسمعت لو ناديت حيا ..ولكن لا حياة لمن تنادي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى