هزيمة أخلاقية مدوّية للولايات المتحدة في قضية التعذيب
صدر التقرير الأمريكي المُنتظر الذي يكشف تورط وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) في وقائع تعذيب، واحتجاز غير قانوني، واستخدام طرق غير قانونية في انتزاع المعلومات والاعترافات من المتهمين بـ «الإرهاب» بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. حيث جاء التقرير في أكثر من 6000 صفحة، قررت لجنة «الكونغرس» الأمريكي التي عملت عليه لمدة 5 أعوام أن تنشر منها 500 صفحة والاحتفاظ ببقية التقرير سريًّا.
وكشف التقرير عن وسائل التحقيق التي استخدمتها “سي آي أيه” وكانت أشد قسوة وشيوعًا مما روَّجت له الوكالة والتي استخدمت عدة وسائل قاسية أثناء التحقيق مع المتهمين بالإرهاب أو الانتماء إلى تنظيم القاعدة، وكان أفظعها: التعذيب بالماء من خلال “الإيهام بالغرق” التي تمثل آلية في تقييد المعتقل، وتثبيته على الأرض بحيث لا يستطيع الحركة، مع وضع قطعة قماش أو ما شابه في فمه وتغطية وجهه بما يشبه الكيس؛ وهي آلية مُحرمة في جميع التشريعات الدولية، بالإضافة الى المنع من النوم لمدة تصل إلى أسبوع، والتهديد بالقتل، والإطعام القسري عبر فتحة الشرج، ونزع الملابس عن المعتقلين، والتحرش الجنسي بهم.
وأوضح انه لم يكُن هناك التعذيب البدنيًّ فحسب؛ فالآثار النفسية الناتجة عن الظروف المُهينة والقاسية للاحتجاز أدت إلى مقتل أحد المعتقلين، ووصف التقرير تعرض الكثير من المحتجزين إلى “اضطرابات نفسية وسلوكية، كالهلوسة، وجنون الاضطهاد، والأرق، والنزعات الانتحارية وتعذيب النفس”.
ورصد التقرير كذلك عملية التضليل التي مارسها ضباط “سي آي أيه” على أعضاء الكونغرس الأمريكي بشأن البرنامج. وقف العديد من المسؤولين عن وكالة الاستخبارات وعن البرنامج ليُقدموا شهاداتهم منذ عام 2002 إلى 2008، لكنهم كذبوا بشأن «النجاحات» المزعومة لوسائل التعذيب والاستجواب في استخلاص معلومات مهمة في «مكافحة الإرهاب»، وبشأن ضرورة تنفيذ الإجراءات القاسية التي تعرض لها المعتقلون في السجون (السرية) خارج الأراضي الأمريكية.
أحد الأمثلة على تضليل «سي آي أيه» كانت إفادتها بضرورة التدخل لاستخلاص معلومات من السعودي “أبي زبيدة” بعد ادعاء الاستخبارات الأمريكية بأنه امتنع عن التجاوب مع القائمين بالاستجواب، رغم أن الوثائق تؤكد أنه لم يتوقف عن التجاوب معهم، ولم يرفض الإدلاء بالمعلومات دون تعذيب.