الأخبارركن الميداويمستجدات

متى تجود حكومة أخنوش على آباء التلاميذ بمراكز تربوية تؤهلهم للتعليم المنزلي بالمجان؟

الخط :
إستمع للمقال

منذ خمسين عاما ومنظومتنا التربوية عليلة.. مصابة باختلالات بنيوية ازدادت استفحالا وتخبطا في العقد الأخير مع حكومة العدالة والتنمية، وفكرة “التعاقد” الكارثية التي اهتدى إليها عبد الإله بنكيران بغاية الترقيع المالي في سياق عملية ادخار فاسدة استهدفت التعليم الذي هو واحد من أقوى روافد بنيان الأمة، وضياعه يعني ضياعها وارتدادها إلى أحط لحظاتها التاريخية. والتاريخ لن يغفر لبنكيران إقحام فئات من الشباب العاطل، حصيلتهم صفر في مجالي التكوين والبيداغوجيا يُلقنون الجهل والتخبط لأبنائنا.

منذ خمسين عاما وإلى اليوم، لم تحقق الحكومات المتعاقبة طفرة تذكر في المجال التعليمي، حيث الاكتظاظ في الفصول فظيع، والارتجال في التعليم الخاص مخجل ومُدمر، واستياء الآباء متنامي، والفشل في الإصلاح التعليمي واقع أليم، ومنظومتنا التربوية عاجزة عن إدراك مواطن الضعف وتحليلها على أساس الرؤية النقدية المنفتحة، وغير قادرة على ملاءمة البرامج التعليمية مع متطلبات أسواق الشغل، فيما المناهج التعليمية وطرق التدريس على المستوى العالمي، في تنوع وتطور مستمرين على مختلف المستويات.

آفة تعليمنا المقررات المُكدّسة المليئة بالحشو والتعقيد التي يقاس فيها مستوى التلميذ بمنسوب الحفظ والهضم، وليس بمستوى الفهم والإدراك وتنمية الجوانب المهارية بما في ذلك الإبداع والتفكير وحل المشكلات. وإلى اليوم لم ينتبه التربويون وصناع المقررات المُكدسة أن المُدرّس كيفما كان مستواه التعليمي وتحصيله البيداغوجي، لن يقوى على مسايرة وتيرة المقررات الدراسية الطويلة التي سطرتها الوزارة، وسيجد نفسه مجبرا على تلقين مادته بوتيرة فيها من السرعة والاختصار في الشرح والتلقين ما يفوق قدرة التلميذ على الفهم والاستيعاب. ويتمخض عن معضلة تقليص واختصار حصص الشرح والفهم ضُعف كبير في القدرات المعرفية التي يصنعها التعليم في شخصية التلميذ بما فيها قدرات التحليل والاستنتاج وتوظيف المعلومات التي يتلقاها بشكل مرتبط ومتناسق، كما كان شأن تعليمنا لمن عليه أن يتذكر في السبعينات وما قبلها.

تعليمنا اليوم ابتكر له تعليما موازيا في الأقسام المنزلية حيث الأب أو الأم وقد أرهقتهما متاعب العمل اليومي، مُلزمان باستكمال الدروس التي استعصى على المُدرس استكمالها من فرط تكدّس وتعقيد المقررات السنوية. فهاتيك من دروس للحفظ في معظم المواد إذا لم تكن جميعها، وهاتيك من تمارين في النحو واللغة والعمليات الحسابية ومواد مختلفة، يعلم المعلم أنها موجهة مباشرة للآباء الذين أوكلت لهم وزارة التربية الوطنية وظيفة بلا عقدة عمل ولا راتب ولا حماية اجتماعية ولا حتى الحق في الاحتجاج أو الإضراب. آباء يتساءلون اليوم بكثير من الحسرة الممزوجة بالتقزز والاشمئزاز، عن سبب امتناع أخنوش إحداث مراكز تربوية في الحواضر وحتى في القرى الآهلة بالسكان، تعنى بشؤون التعليم المنزلي وتوكل لها مهمة تكوين الآباء تكوينا بيداغوجيا وتأهيلهم بغاية مساعدة المدرسين على استكمال الدروس المنقوصة وما أكثرها.

ولا يمكننا والحالة هاته سوى أن نتساءل عن أية قيمة أو دور للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي أُحدث مؤخرا وأوكلت مهامه للحبيب المالكي، الرجل الذي فشل كوزير سابق للتربية الوطنية، في فحص الواقع التعليمي المغربي بشكل واع ودقيق، واتخاذ ما يلزم من قرارات علاجية للاختلالات التي تعيق منظومتنا التربوية منذ عقود، والتخبطات التي طالت أداء من سبقوه من وزراء ومسؤولين تربويين وبيداغوجيين.

معضلة تعليمنا أيضا، أنه يكرس الخواء والعجز بسبب تبنيه مناهج وأساليب تعتمد أسلوب الحشو والكمّ وما ينتج عنهما من عدم الإدراك ومن نفور من الدرس يقود تلقائيا إلى ارتفاع مهول في معدلات الرسوب، فضلا عن عدم التركيز على الطابع المغربي الخالص الذي يجب أن يضفيه المختصون على المجال التربوي، مع بعض الرتوشات التي لا تمس جوهره، بل عوارضه الثانوية. فنحن لم نستفد حتى اليوم من غباوة نسخنا المرتجل للنماذج الأجنبية، بعد أن نسطو كل مرة على نسق بيداغوجي غربي وبالخصوص فرنسي، في محاولة لتقليده، حتى وإن اختلفت المناهج التعليمية والمسالك التربوية، فنُصاب بالخيبة والإحباط بعد أن نُدرك بأن مدرستنا ابتعدت كثيرا عن واقع نشأتنا المعرفية وبيئتنا الثقافية.. وبابتعادها عن بيئتها الثقافية والاجتماعية، لن تسهم سوى في إنتاج العاطلين وتفاقم البطالة التي ليست كما يعتقد صناع القرارات الارتجالية، مشكلة اقتصادية وكفى، بل هي مشكلة يتداخل فيها النفسي بالاجتماعي والأمني والسياسي في آن واحد.

ودليلنا على ذلك أنه في كل عام تتخاصم المدارس المغربية من دون رجعة، مع عشرات الآلاف من التلاميذ الراسبين الذين سيسكنهم بعد شهور معدودة اليأس والتوتر النفسي وما يترتب عنهما من حالات مستمرة ينتج عنها في غالب الأحيان الانحراف والجريمة. وعندما تكون الحكومة غير قادرة على تقديم شيء يذكر لهم، وحينما يتم إبعادهم من الحقل المدرسي قبل أن يُنهوا تعليمهم، فإن عزيز أخنوش ومعه شكيب بنموسى لن يكونا قد قاما بعملية توفير وادخار مربحة، بل أمعنا بشكل متزايد في الرفع من حجم النفقات وحجم المتاعب الاقتصادية.

وخلاصة القول إن المغاربة وفي مقدمتهم آباء وأولياء التلاميذ، يشككون اليوم في أن يكون في القاموس التعليمي المغربي مكان تثقيفي لأبنائهم، ويعتبرون أن القائمين على شؤون التعليم يسيرون اليوم بدون دليل تربوي، بل يعتبرون التعليم همّا زائدا حتى وإن كانوا يدركون بأنه عماد الوطن. فإشكال الحكومات المتعاقبة أنها لم تتخلص من فخ الاستسهال، ولم تتمكن حتى اليوم من تبني مواد دراسية تسهم في إشاعة المعرفة والتثقيف الحقيقيين لطفولتنا وشبيبتنا. وهم ينتظرون أن ينعم عليهم الله بمتخصصين أكفاء قادرين على التوجه إليه بتعليم يلبي تطلعات وانتظارات أبنائهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى