ما يحسب لخالد البكاري، في حمأة دفاعه عن نكوص فؤاد عبد المومني في التضامن مع شرطي منطقة “الرحمة” الذي قتل حرقا وتم التمثيل بجثته، هو أنه تجاسر بالتضامن مع أسرة الفقيد المفجوعة، وأسبغ وصف “شهيد الواجب” على ذكرى الهالك، وأدان بشكل قاطع الفعل الإرهابي أيا كانت منطلقاته وأهدافه.
وإذا كانت رسالة خالد البكاري قد وصلت في هذا الجانب، فإنها على النقيض من ذلك فشلت في باقي المقاصد الأخرى، خصوصا في الشق المتعلق بمحاولة تبرئة فؤاد عبد المومني من تهمة التقاعس والنكوص والتنصل من التضامن مع الشرطي الضحية، واستهجان طريقة تصفيته جسديا والتمثيل بجثته بكيفية نكراء وغاشمة.
وهنا تقتضي الضرورة بسط بعض التوضيحات التي ربما غابت عن ذهن السيد خالد البكاري: فما يعاب على فؤاد عبد المومني ليس هو التقصير في التضامن الحقوقي، وإن كان هذا الموضوع بدوره فيه نقاش كبير، بل ما يؤاخذ على هذا الأخير هو استنكافه وامتناعه القطعي عن التضامن الإنساني مع عائلة الضحية، وهو تضامن مبدئي غير مشروط، ولا معلق على شرط، ولا رهين بظهور نتائج البحث الجنائي.
فالقيم الانسانية النبيلة والجوامع البشرية المشتركة، هي التي تفرض علينا أن نتضامن مع إنسان أضرمت النيران في جسده عمدا، بصرف النظر عن وظيفته أو مهنته أو درجة قربه من الشخص الذي يصدر عنه التضامن! وبالتالي، فعندما استنكر جانب من الإعلام الوطني على فؤاد عبد المومني ردة فعله السلبية إزاء هذه القضية، فهم كانوا يتحدثون عن التضامن الانساني المبدئي واليقيني والراسخ، أيا كانت منطلقات هذه الجريمة النكراء ودوافعها المقيتة!
وإذا سلمنا جدلا بدفوعات خالد البكاري التي ترهن التضامن الحقوقي بأجل معلق وشرط واقف هو ضرورة انتهاء البحث! فهذا يعني، بحسبه، أنه لو كشف البحث القضائي مثلا أن خلفية قتل الشرطي هشام بورزة كانت هي السرقة أو الاعتداء الجسدي العرضي وليس الإرهاب، فإن خالد البكاري كان سيمتنع بدوره عن التضامن مع الشرطي الضحية رغم بشاعة الجريمة وفجاعة الأسرة المكلومة؟
إنه منطق يفتقد ربما للمنطق! لأننا لو تماهينا بسذاجة مع هذا الطرح، فالمفروض في فؤاد عبد المومني وخديجة الرياضي وعزيز غالي أن لا يتضامنوا كذلك مع المعطي منجب مادام أن قضية غسيل الأموال لم تنته بعد قضائيا، ولم يصدر بشأنها حكم نهائي، ولم تبلغ قط مرحلة “الحقيقة القضائية”!
وبالركون لنفس هذا الطرح المزعوم، فالمفروض أن لا يهرول أيضا فؤاد عبد المومني للتضامن مع محمد اعراب باعسو، شيخ العدل والإحسان، ما دام أن تبانه الداخلي كان لايزال يتصبب ماءا من شرشفة الجنس ولم يصدر حكم نهائي بشأنه! كما أنه من المفروض كذلك أن لا يفرخ فؤاد عبد المومني لجان التضامن، مثلما يفرخ الدجاج الأبيض، مع متهمين ومتورطين في قضايا خطيرة رغم أن القضاء لم يقل بعد كلمته النهائية في حقهم.
وعلى صعيد آخر، فحتى التضامن الحقوقي، الذي حاول خالد البكاري التدثر به لتسجية عورة فؤاد عبد المومني التي فضحتها هذه القضية، يفرض بدوره التضامن مع كل ما كان ضحية الحرق العمدي والقتل البشع! أليس الحق في الحياة هو حق أساسي من حقوق الإنسان، يفترض في من يلتحفون رداء المدافعين عن حقوق الإنسان، أن يناضلوا من أجله ويتضامنون مع ضحاياه؟
ألم يكن من حق شرطي “الرحمة” الاستفادة من الحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية؟ ألم يجدر بفؤاد عبد المومني أن يتضامن حقوقيا مع أسرة هذا الفقيد الذي اغتصبت حقوقه الأساسية؟ أم أن حقوق الإنسان لم تعد شمولية وكونية كما هو متعارف عليها دولية؟ وأن التضامن صار يرتهن بصفة الضحايا وبدرجة قربهم ممن يدعون، للأسف، أنهم نشطاء حقوق الإنسان.
فعلا لقد وصلت رسالة خالد البكاري! لكنها أخلفت وجهتها. فالمقصود بها هو فؤاد عبد المومني الذي أعماه الحقد على الدولة حتى صار يتحاشى حتى استهجان جرائم القتل والتمثيل بالجثث… إنها “السادية” كضرب جديد من ضروب الدفاع عن حقوق الإنسان.. والتي سيحفظها التاريخ باسم فؤاد عبد المومني.