اخبار المغربرأي في قضيةمستجدات

عن الإضراب وقانون الإضراب: عندما تخرج الحكومة والبرلمان والنقابات في حالة ضعف مشتركة وبهزيمة واحدة!!

الخط :
إستمع للمقال

لعل الإضراب العام الذي دعت إليه النقابات، على رأسها الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديموقراطية للشغل، موحدة أو بشكل متفرق، يومي الأربعاء والخميس 5 و6 فبراير 2025، هو أخر إضراب سيتم في إطار «غياب القانون المنظم» لهذه الحركة الاحتجاجية.. ذلك أن المغرب الحديث، لم يعرف قانونا تنظيميا للممارسة هذا الحق النقابي، طوال تاريخه المستقل، بالرغم من أن التنصيص عليه موجود منذ أول دستور في المملكة في 1962.


ولعله أول إضراب عام ذا طبيعة مغايرة لما هو معروف عنه عادة في المغرب، منذ الستينيات، حيث أن التعامل معه خرج من دائرة الصراع الحاد إلى الفعل العمالي العادي، كما أن شحنته السياسية كانت شبه منعدمة. وهو ما يفسر إلى حد بعيد البرودة التي عرفها، والرهانات المختلفة التي رافقته.

أولا، يعد الإضراب العام، نوعا من المساءلة الجذرية، بل الموقف الرافض لتدبير النظام السياسي القائم، باعتبار أن الإضراب العام يضع النظام في مواجهة القطاعات أو التيارات التي تخوضه أو تدعو إليه، وهو ما كان يسبب في مواجهات عنيفة أحيانا وحادة في الكثير من الأحيان (1980 و1990 وفي يونيو 2015 ضد حكومة عبد الإله بنكيران) ..

ما يحسب للمغرب ودولته أن تلك الأحداث صارت من الماضي ولا أحد يتصور حدوثها مجددا، بعد كل الذي راكمه في مجال حماية الحق في الغضب والتعبير..

والواضح أن الإضراب العام الحالي لم يتجاوز سقف الغضب على قرارات ذات طبيعة اجتماعية، أو مواجهة قانون الإضراب نفسه.. الذي جاءت به الحكومة واستطاعت أن تمرره عبر البرلمان..

قد يبدو من الوهلة الأولى أن الحكومة خرجت منتصرة. وهو ما لا يمكن التسليم به، لأن الحكومة إذا كانت قد نجحت في تمرير قانون الإضراب، في الغرفتين معا، فهي لم تنجح في العديد من الشروط الواجب توفيرها لتفعيله:

أولا: لم تقم بما يجب لكي تُقْنع النقابات بهذا القانون الذي خاضت من أجله لقاءات ماراتونية، التقت فيها كل النقابات..

ثانيا: لم تقنع الحكومة المركزيات النقابية بالرغم من أنها نجحت في توفير غلاف غير مسبوق في تاريخ المغرب للتكلفة المالية للحوار الاجتماعي (الحكومة تتحدث عن 45 مليار درهم مست نتائجها كل القطاعات لاسيما التعليم والصحة والعدل والجماعات).

ثالثا: خلقت الحكومة شروط وحدة ميدانية بين النقابات ستَنْضاف إلى الوحدة الميدانية بين التنسيقات، وإن كانت هاته الأخيرة أكبر قوة وتنظيما بل يمكن أن تكون دليلا على ضعف النقابات نفسها، كما سنرى..

العنصر الرابع يتمثل في عجز الحكومة عن تعبئة أغلبيتها الكبيرة في معركة التواصل، كما في معركة التصويت لفائدة القانون!

كل هاته العناصر تجعل من الحكومة، أو الجهاز التنفيذي لم يخرج منتصرا من هاته المنازلة، بل ينبىء فصلُها الحالي أن تنفيد بنود القانون سيصعد من الاحتقان ومن الصراع في المجتمع.. بل سيعقد التوافق بينها وبين النقابات بالسنة لقواينو أكثر جدلا مثل قانون النقابات وقانون التقاعد.

بالنسبة للبرلمان، كانت الصورة التي ظهر بها، جد جد مخيبة للآمال..فقد صادق مجلس النواب في جلسة تشريعية، بالأغلبية، على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وذلك في إطار قراءة ثانية.

وحظي مشروع القانون بموافقة 84 نائبا، فيما عارضه 20 نائبا دون تسجيل أي امتناع عن التصويت…!


وعليه فإن أحد أخطر القوانين تم في غياب 291 من الأغلبية والمعارضة معا. وهو أمر يكشف طبيعة النخبة البرلمانية، التي أثبتت قصورها في القضايا الوطنية الكبرى (الديبلوماسية الموازية) كما في قضايا المجتمع والحكومة والشؤون السياسية. بل يضع سؤالا عريضا عن قدرة المؤسسات التمثيلية على تمثيل المجتمع فعلا!

كما يكشف الغياب الكثيف عن «إضراب تشريعي » غير مقبول من الرأي العام في ظل ظروف تعرف احتقانا غير مسبوق في البلاد، وبخصوص نص طال انتظاره.


نفس القلق لا بد أن يسكن كل من يتابع الوضع النقابي، فالنقابة لم تستطع أن تقنع عموم الأجراء بالإضراب، كما أنها لم تحسن اختيار توقيته، حيث تأخرت طويلا في مواجهة القانون في الساحة العامة وفي المؤسسات، ولم تستيقظ إلا في اللحظات الأخيرة للمصادقة عليه.


ولكن العمق الأساسي في مشكلتها كما بينها القرار بالإضراب هو ضعف التمثيلية وقصورها في التعبير عن قطاعات واسعة من الفئات العاملة ومن الأجراء، وهو ما يضع سؤال عريضا كذلك على الاحتمالات الخطيرة التي يمكن أن تفضي إليها هشاشة التمثيل النقابي وفسح المجال أمام الأشكال التنظيمية غير المؤسساتية كما عشناها في قطاعات التعليم والصحة.. وعشنا معها احتجاجات بعشرات الأسابيع بلا انقطاع!


إن هذا الوضع غير سليم، ولعله يكشف بأن القادم أصعب، بالنسة للمجتمع في شخص النقابات والدولة، في شخص الحكومة والبرلمان.!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى