شهر رمضان شهر المساجد بالمغرب.. عناية ملكية خاصة بالمساجد العتيقة

يولي أمير المؤمنين الملك محمد السادس، عناية خاصة واهتماما فائقا ببيوت الرحمان، على عدة مستويات، خصوصا في فن العمارة والتأطير الديني والتجهيز، ما يبرز مكانة شؤون الدين الإسلامي الحنيف لدى أمير المؤمنين.
وخلال هذا الركن من المقالات الرمضانية، الذي اخترنا له عنوان “شهر رمضان شهر المساجد بالمغرب.. عناية ملكية خاصة ببيوت الرحمان”، سنحاول تسليط الضوء على مساجد المملكة في عهد الملك محمد السادس، التي عرفت حركة عمرانية واسعة النطاق شملت تشييد مجموعة من المساجد الجديدة في مختلف ربوع المملكة، وإعادة ترميم وتأهيل المساجد العتيقة، مع مراعاة الطراز المعماري المغربي الأصيل.
عناية الملك محمد السادس بالمساجد العتيقة
تحظى المساجد العتيقة بعناية خاصة من قبل الملك محمد السادس، الذي يولي اهتماما كبيرا لصيانة وترميم هذه المعالم الدينية والتاريخية. وقد تجسدت هذه العناية بشكل بارز عقب حادث انهيار مسجد باب بردعيين بمدينة مكناس خلال صلاة الجمعة يوم 19 فبراير 2010، والذي أسفر عن وفاة 41 شخصا. إثر ذلك، أصدر الملك محمد السادس تعليماته الصارمة لإطلاق عملية واسعة لمعاينة جميع المساجد العتيقة في مختلف مناطق المملكة، بهدف التأكد من سلامتها وإجراء الإصلاحات اللازمة.
برنامج وطني لترميم المساجد العتيقة
بناء على التوجيهات الملكية، تم رصد غلاف مالي يقدر بمليارين و700 مليون درهم لتنفيذ برنامج شامل لإصلاح وتأهيل المساجد العتيقة. وشمل هذا البرنامج عمليات واسعة من الفحص التقني والتقييم الهندسي للمباني، حيث أسفرت المعاينة عن اقتراح إجراءات مختلفة، تتراوح بين الإصلاح والترميم وتعزيز الهياكل، إلى جانب إعادة بناء بعض المساجد التي لم تكن صالحة للاستعمال.
ووفقا للتقرير الذي قدمه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، أمام الملك محمد السادس سنة 2010، فإن اللجان الفنية قامت بمراجعة حالة 19205 مبان، منها 15770 مسجدا و3435 قاعة للصلاة. وقد أظهرت النتائج أن 10437 مبنى يعاني من اختلالات تتطلب تدخلا عاجلا. بناء على ذلك، تم اتخاذ إجراءات وقائية لضمان سلامة المصلين، حيث تم إغلاق 6% من المساجد بشكل كلي، و2% بشكل جزئي، بينما تم اعتماد حلول إصلاحية دون الإغلاق لبقية المباني المتضررة.

رؤية ملكية واضحة لإعادة التأهيل
تمت برمجة هذه العملية وفق خطة تدريجية ومدروسة، تهدف إلى ضمان التنفيذ الفعال للمشاريع دون التأثير على أداء المساجد لوظيفتها الدينية. وقد تضمنت التوجيهات الملكية إعطاء الأولوية للمساجد المغلقة، وإيجاد أماكن بديلة للمصلين، خاصة قبل حلول شهر رمضان، وذلك لضمان استمرار أداء الشعائر الدينية دون انقطاع.
كما تم الشروع في عمليات الترميم وإعادة البناء في عدة مدن، حيث بدأت الأشغال من مدينة وجدة، انطلاقا من المسجد الأعظم ومسجد الإمام مالك، اللذين تم تحديد مدة إنجاز أشغالهما في 18 شهرا. كما شملت الخطة إعادة بناء مسجد باب بردعيين في مكناس، وفق تصميمه التاريخي، مع بدء الدراسات التقنية خلال ثلاثة أشهر، ليتم افتتاحه للصلاة في شهر رمضان التالي.

استراتيجية مستدامة لصيانة المساجد وحصيلة إيجابية سنوية لعمليات الترميم
أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أن هذه المبادرة غير مسبوقة في تاريخ المغرب، حيث لم تقتصر فقط على الترميم، بل تضمنت وضع آليات قانونية وتنظيمية لضمان استمرار العناية بالمساجد العتيقة. وتأتي هذه الجهود في إطار رؤية الملك محمد السادس لتعزيز دور المساجد كمراكز للعبادة والتوعية الدينية، وضمان سلامة مرتاديها.
في سياق متصل، وضمن عرض آخر قدمه توفيق أمام الملك محمد السادس، حول موضوع “برنامج ترميم المساجد”، أبرز فيه أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وتنفيذا للتعليمات الملكية السامية، تبرمج كل عام عددا من عمليات ترميم المساجد التاريخية بالمدن العتيقة، وفي قصور الواحات والقصبات، مشيرا إلى أن عدد هذه المساجد يقدر ب 843 مسجدا، منها 183 مسجدا تاريخيا كبيرا، و660 مسجدا متوسطا وصغيرا عتيقا.
وأشار الوزير ضمن نفس العرض إلى أن هذه الخطة مكّنت إلى حدود سنة 2016 من ترميم 47 مسجدا تاريخيا، بينما يوجد 13 مسجدا في طور الترميم و22 في مرحلة الدراسة، مسجلا أن الكلفة الإجمالية لهذا الإنجاز بلغت 598 مليون درهم، خصص معظمها للمساجد التاريخية الكبرى. أما مساجد الأضرحة فقد تم ترميم 25 منها بكلفة 112 مليون درهم.
وبشكل سنوي، يعطي الملك محمد السادس توجيهاته السامية، لإعادة افتتاح المساجد التي تم ترميمها في وجه المصلين في بداية شهر رمضان المعظم، حيث بلغ عددها هذه السنة تسعة 9 مساجد، من بينها المسجد الأعظم بمدينة مكناس الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر الميلادي والسابع هجري، أي إلى حقبة المرابطين، ومعه كذلك مسجد للا عودة بنفس المدينة، ما خلف ارتياحا كبيرا في نفوس الساكنة، سيما وسط المصلين بالمدينة العتيقة.
ترميم وتثمين يراعي الجوانب التقنية والهندسية والتاريخية للمساجد
للحفاظ على جمالية وخصوصية هندسة هذه المساجد التاريخية، أعدت الوزارة، وبتعليمات ملكية، خطة تقوم على مقاربة منهجية قوامها ثلاثة محاور رئيسية، هي إعداد جرد تقني للتراث المعماري للمساجد في المدن والقرى، واتخاذ التدابير الضرورية للمحافظة عليه وصيانته وتثمينه، وتوفير الإمكانات المالية والبشرية الكفيلة بتنفيذ الخطة المذكورة.
وقد تم لهذه الغاية، إحداث أكاديمية الفنون التقليدية بمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء سنة 2012، التي تشرف على تكوين المتخصصين في فن الترميم.

وفي سياق متصل، يشرف على مختلف عمليات ترميم المساجد، مهندسون ومقاولات ومعلمون حرفيون متخصصون، على أساس دراسات تاريخية وأركيولوجية ومعمارية وتقنية معمقة. الأمر الذي برز بشكل كبير في عمليات ترميم عدد من المساجد التاريخية، لاسيما جامع القرويين بفاس، ومسجد مولاي اليزيد بمراكش، ومسجد باب البردعاين بمكناس، ومسجد وضريح مولاي ادريس زرهون، ومسجد سيدي شكيرة بآسفي، والمسجد العتيق بأمزميز (إقليم الحوز)، وأخيرا المسجد الأعظم بمكناس.
