خبراء يؤكدون على أهمية الابتكار في الصناعة الثقافية وتدعيم الدبلوماسية الثقافية
عرف مؤتمر الحوارات الأطلسية الذي ينظمه مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد جلسة متميزة حول الدبلوماسية الثقافية ودورها في تعزيز صورة الدول وإبراز هويتها على الساحة الدولية، وهذه الجلسة جمعت خبراء وباحثين من مجالات متعددة لتسليط الضوء على أهمية الثقافة كأداة للدبلوماسية.
وفي مداخلتها خلال الجلسة، أشارت الباحثة البارزة في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، راما ياد، إلى أن المغرب يُعد نموذجا بارزا في استخدام الثقافة كأداة للدبلوماسية، موضحة أن القوة الناعمة التي يمثلها المغرب تستند إلى تنوعه الثقافي والفني الذي يشمل الفنون، الأدب، صناعة الملابس، صناعة الأفلام، الرياضة، وحتى الألعاب الإلكترونية.
وأشادت بالإعلان الأخير عن استضافة المغرب لكأس العالم لكرة القدم، معتبرة أن هذه الخطوة ليست مجرد حدث رياضي، بل فرصة لتسويق صورة المغرب كوجهة عالمية للثقافة والترفيه، وأداة لتعزيز النمو الاقتصادي عبر صناعة الرياضة والترفيه.
وأثارت راما ياد أيضا قضية الصناعات الثقافية في إفريقيا، مشيرة إلى أن الفنانين الأفارقة غالبا ما يواجهون تحديات كبيرة في العيش من خلال فنهم بسبب غياب الإطار التنظيمي الذي يدعم أعمالهم ويمنحها القيمة التي تستحقها، ودعت إلى ضرورة توفير بيئة مواتية تمكنهم من التعبير عن أنفسهم بشكل أفضل والاستفادة اقتصاديًا من إبداعاتهم.
كما شددت على أهمية الابتكار في الصناعة الثقافية، مشيرة إلى التقرير الذي قدمه مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد والذي يبرز دور الابتكار في تعزيز هذه الصناعة وخلق فرص عمل جديدة، خاصة في القارة الإفريقية التي تمتلك إمكانيات كبيرة للنمو في هذا المجال.
وناقشت راما ياد أيضا أمثلة على الدبلوماسية الثقافية من دول أخرى، مثل فرنسا والولايات المتحدة، مشيرة إلى أن إعادة افتتاح كنيسة نوتردام في فرنسا بأسلوب مبتكر عكس استراتيجية واضحة للدبلوماسية الثقافية بهدف تعزيز صورة البلاد، وفي المقابل، قدمت الولايات المتحدة نموذجا آخر للدبلوماسية الثقافية من خلال منتوجاتها الثقافية والتجارية التي أثرت في العالم وأصبحت عنصرًا أساسيًا في قوتها الناعمة.
من جهتها، أكدت جيسيكا دي ألبا، الأستاذة الباحثة، على أهمية الإرث الدبلوماسي كجزء من الهوية الثقافية للدول، موضحة أن المكسيك تقدم نموذجا فريدا في هذا المجال من خلال المزج بين موروثها الثقافي وتنوعها البشري.
وأشارت إلى أهمية استرجاع الأدوات الأثرية واستخدامها كجسور للتواصل مع المجتمعات المتصلة بالمكسيك، مؤكدة على أن هذه الخطوة تمثل استراتيجية فعالة للدبلوماسية الثقافية، معتبرة أن الدبلوماسية الثقافية ليست مجرد وسيلة لتعزيز التواصل بين الدول، بل هي رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وهذه الجلسة التي احتضنها مؤتمر الحوارات الأطلسية أبرزت الحاجة إلى تبني استراتيجيات مستدامة لدعم الصناعات الثقافية والفنية، وضمان استثمار إمكانياتها لتعزيز مكانة الدول على الساحة الدولية، ومن خلال التجارب العالمية والإقليمية التي نوقشت، يتضح أن الثقافة ليست فقط مرآة تعكس هوية الدول، بل هي أيضا أداة فعالة لبناء جسور التفاهم وتحقيق الاستقرار والتنمية.