توالت ردود الفعل على إثر الهجمات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس يوم الجمعة ، والتي راح ضحيتها 129 قتيلا وأكثر من 300 جريح، في أكثر العمليات الإرهابية دموية في أوربا منذ عقد من الزمن.
في هذا السياق ، قال المصطفى الرزرازي ، المختص في إدارة الأزمات وقضايا الإرهاب ، إن “ما حدث في باريس هو زلزال إنساني يعكس بشاعة الحرب التي يشنها الإرهاب ضد الأبرياء”، مشيرا إلى أن “الطريقة التي تم بها تنفيذ هذه العمليات يبين أننا بصدد تحول جديد في استرتيجيات ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية ، الذي بدأ يزاوج بين تحركاته الميدانية شبه العسكرية في العراق وسوريا ومنطقة الساحل ، وبين التخطيط متوسط المدى للخلايا النائمة داخل عدد من الدول، على نمط الأسلوب الذي كانت تنهجه القاعدة”.
وأكد الرزرازي ، في تصريح لموقع برلمان.كوم ، أن “الحذر والحيطة واجبان اليوم، انطلاقا من أن درجة ” صفر خطر” معادلة خاطئة، وهو ما يقتضي في تقديري بناء تحالف جديد ، غير التحالف بين الدول، أي تحالف يشمل الأمنيين والباحثين ووسائل الإعلام وفعاليات المجتمع لمدني ، للعمل يدا في يد من أجل التصدي لظاهرة التطرف والعنف السياسي أينما كان”.
وأشار الرزرازي إلى أن ” المغرب كصديق وحليف استراتيجي لفرنسا عبر من خلال برقية الملك محمد السادس عن تضامنه المطلق مع فرنسا في محنتها، ولعل ترجمة هذا التضامن على أرض الواقع ستزيد من آليات التعاون الأمني بين البلدين”.
ومن جهة أخرى ، قال سعيد الكحل ، الباحث في قضايا الإسلام السياسي والإرهاب ، إن ما وقع من أعمال إرهابية في العاصمة الفرنسية ” أراد تنظيم داعش من خلالها توجيه رسائل مباشرة ودقيقة لكل دول العالم، وخاصة الدول الأوربية وشعوبها”.
وأضاف الكحل ، في تصريح لموقع برلمان.كوم ، إن “أوربا وخاصة فرنسا تدفع ثمن ترددها في سحق الإرهاب في محاضنه الأولى”، مشيرا إلى أن الدول الأوروبية ” تعتقد أن الإرهاب الذي آوت شيوخه وحمت عناصره المطلوبة من حكومات عربية لن يستهدفها، اليوم تتأكد أوربا أنها ليست في مأمن من الإرهاب، وأنها غدت ساحة مفتوحة لأخطر العمليات الإرهابية”.
وأوضح الكحل أن “تنظيم داعش إستعمل الإعلام لزرع الرعب في النفوس،وقد كان لحادثي الملعب والمسرح وسط باريس وقع خطير ومباشر في نفوس كل الغربيين”، وأن من رسائل تنظيم داعش أنه ” يستطيع أن يضرب في أي مكان وفي أي زمان يختارهما . إنه يقتل وبروّع ويرتكب جرائمه على أوسع نطاق”، مشيرا إلى أن هذا التنظيم الإرهابي ” يوجه رسالة إلى التحالف الدولي الذي يشن ضرباته الجوية على معاقله في سوريا والعراق مفادها أن ذلك لم يزده إلا قوة وتمددا”.
وأكد الكحل أن “خطة داعش الترهيبية المتمثلة في تسلل عناصره إلى داخل الملعب وتفجير أنفسهم ليشاهد العالم عملية التفجير مباشرة على الهواء ، هي لترهيب شعوب الغرب وجعلها تفقد الثقة في حكوماتها وأجهزتها الأمنية”.
أما ونتر ماير ، مدير مركز بحوث العالم العربي في جامعة ماينز ، فيرى في حوار مع قناة “دوتش فيلي” أن “هناك رابط واضح بين هجمات باريس والدور الفرنسي في سوريا، فالرئيس الفرنسي ، فرانسوا هولاند ، أعلن الأسبوع الماضي أنه أعطى تعليماته بقصف مخيم لتدريب الإرهابيين في سوريا، وهو مخيم يعسكر فيه إرهابيون فرنسيون”، واعتبر أن الرئيس هولاند ” أراد بهذا القصف تفادي تكرار هجمات أخرى في فرنسا على غرار هجمات شارلي إيبدو”.
وقال إن “هذا ما يفسر العلاقة الوثيقة بين هجمات باريس وسوريا، لكن السؤال المطروح الآن هو إن كانت هذه العملية مدبرة ومنفذة من قيادة تنظيم داعش أم لا؟ أستبعد ذلك، حسب تحليلي، يقول ماير ، فقد تم التخطيط لهذه العملية من طرف إرهابيين محليين، أي هم شباب فرنسيون ينتمون إلى خلية إسلامية متطرفة، لذا فإن خيوط هذه العملية شبيهة بهجمات “شارلي إيبدو”.
ومن جهة أخرى قال الباحث في شؤون الجماعات الاسلامية لموقعبرلمان,كوم، خالد الشكراوي ، “إن الأمر لا يتعلق اليوم بما يسمى بالذئاب المنفردة ، بل هو عمل منظم ومحضر له منذ وقت طويل، وبشكل جيد ، وهذا يفسر أن الخطر ليس بعيدا عن أي دولة سواء في أوربا أو غيرها . وعلى جميع الدول المنخرطة في محاربة الإرهاب بشمال إفريقيا والشرق الأوسط ، بما فيها المغرب ودول الخليج ، أن تلزم الحذر” .
واعتبر الشكراوي أن ” هذا العمل الإرهابي الذي ضرب فرنسا ليلة امس الجمعة، ليس من وراءه مطالب بل هو تقتيل وعمل إجرامي خطير . فنحن هنا لسنا أمام الجماعات الإرهابية التي شهدتها أوربا والتي كانت لها مطالب ترغب في التفاوض عليها ، بل نحن أمام جماعات إرهابية هدفها القتل فقط”.
وعبر الباحث المغربي عن اعتقاده بأن تداعيات هذه الأعمال الإرهابية ستكون خطيرة على مستويين، الأول يخص الجاليات العربية والمسلمة في أوربا سواء المندجمة أوغيرها، حيث سيزيد حجم صعوبة إدماجها داخل المجتمعات الأوربية، وعدم منحها فرص الشغل، أما المستوى الثاني فيتعلق بالهجرة ، حيث إذا ثبت أن أحد منفذي الاعتداء الذي وجد جواز سفره في مكان الحادث ،قد مر من اليونان وتم منحه اللجوء ، فهذا يؤكد أن لهذه التنظيمات عملاء يستغلون ما قامت به أوربا من استقبال للاجئين للمرور متخفين ومن ثمة ارتكاب جرائهم بشكل محترف”.
وشدد على أن ” المشكل الحالي هو قضية الأمن ، فليس هناك أي بلد بمنأى عن خطر الإرهاب أمام جماعات خطيرة جدا هدفها القتل .فهذه الجماعات تلتقط إشارات من التنظيم الأم ، وتقوم بتنفيذ أعمال إرهابية بشعة” .
وقال الشكراوي إن “هذا الإرهاب هو نتيجة للأجندات التي بدأت تلعب أدوارا متناقضة في الشرق الأوسط ، مضيفا أن فرنسا ” بقدراتها الأمنية والاحتياطات التي كانت تتخذها لمنع وقوع عمليات إرهابية ، لم تستطع حماية مجتمعها ، فما بالك بالدول التي تقل إمكانياتها عن فرنسا في ظل هذا النوع الجديد من الارهاب الذي لم يعد محصورا في الغرب بل أصبح بلا حدود “.
إعداد: ابراهيم الصافي+ عبد الرحيم المسكاوي