الناشط الحقوقي عزيز إدامين وعضو جمعية عدالة حول الوضع الحقوقي، يكشف في حوار مع موقع “برلمان.كوم” أسباب وخلفيات التوثر الحاصل بين الحكومة وبعض الفعاليات الحقوقية، وكيف تفاعل المغرب مع الهيئات الدولية المهتمة بحماية حقوق الانسان، والرهانات المنتظرة من المشاركة في المنتدى العالمي لحقوق الانسان الذي يحتضنه المغرب بمدينة مراكش من27 إلى 30 نونبر من الشهر الجاري.
بصفتك ناشط حقوقي ماهو تقييمك للوضع الحقوقي في ظل الحكومة الحالية؟
تقييم الوضع الحقوقي في المغرب يتطلب من الفاعل الحقوقي بناء مؤشرات قياس في مجال حقوق الانسان، حتى يتمكن من وضع صورة جد مقربة من الواقع.
فعلى مستوى التشريعات والقوانين والمؤسسات، يمكن أن نلامس أن هناك تقدم، سواء بالانتقال من المجلس الاستشاري لحقوق الانسان الى المجلس الوطني لحقوق الانسان واعتماده على الاليات الجهوية، أو من خلال الانتقال من مؤسسة ديوان المظالم الى مؤسسة وسيط المملكة، بالإضافة إلى ذلك تضمين المقتضيات الدستورية لمجموعة من مبادئ الحريات العامة والحقوق الاساسية.
كما يمكن تسجيل انخراط المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الانسان بانضمامه الى الاتفاقية الدولية لحماية الاشخاص من الاختفاء القسري.
لكن ماذا عن واقع الممارسة لهذه المنظومة الحقوقية؟
من حيث الممارسة، وهنا مربط الفرس، فنسجل مجموعة من الوقائع منها تزايد ادعاءات التعذيب من قبل السجناء، وهو معطى إيجابي، خاصة أن المدعيين أغلبهم من أصحاب قضايا الحق العام، وإن كان بادرة محكمة الاستئناف جيدة بإلغائها الحكم الابتدائي بمدينة كلميم، بسبب انتزاع الاعترافات من المتهم تحت التعذيب، إلا أنها تثير تحفظين، أولهما مرتبط بمبدأ عدم الافلات من العقاب، وهنا لم يتم لحدود الان فتح مسطرة متابعة “الشخص” الذي مارس التعذيب. ثانيا هناك خشية أن يكون ذلك الالغاء معزولا ويتم التعامل معه سياسيا كدر الرماد في العيون، بعد احتجاج الحركة الحقوقية المغربية بكون الدولة لا تتعامل مع بياناتها المتعلقة بادعاءات حالات التعذيب، فخشيتنا أن تكون هذه النازلة موسمية فقط ليست مرتبط بإرادة حقيقية للدولة للقطع مع حالات التعذيب.
كيف ترى حالة التوتر بين وزارة الداخلية والجمعيات الحقوقية؟
نسجل أيضا، التوتر الحاصل الان بين وزارة الداخلية والجمعيات الحقوقية، وهو التوتر الذي أعقب تصريح وزير الداخلية أمام مجلس النواب في شهر يوليوز من هذه السنة، يتهم فيه الجمعيات بتلقيها أموال خارجية وبالتالي تخدم اجندة دولية، وأن تمويلاتها تفوق 60 في المائة من مجموع الدعم العمومي المخصص للأحزاب السياسية. كما أن الوزير اعتبر أن عمل الجمعيات وتقاريرها، هي تقارير مغرضة تهدف الى عرقلة عمل الاجهزة الامنية خاصة في سياق مكافحة الارهاب.
واقعة أخرى، وتتعلق بعمل المجلس الوطني لحقوق الانسان، وهنا نتذكر البلاغ الصادر عن المجلس الحكومي بتاريخ 13مارس من هذه السنة، حيث قرر فيه التفاعل السريع والتجاوب الفعال مع الشكايات والمقترحات الواردة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان. كما قرر “تعيين نقاط اتصال دائمة ومخاطبين محددين داخل الوزارات المعنية بشكل أكثر بهذه الشكايات، وتحديد مدة معينة، لا تتعدى في أقصى الحالات ثلاثة أشهر، للإجابة عن هذه الشكايات، والعمل على نشر الردود المتعلقة بها.” والان بعد أزيد من ستة أشهر هل تم تحديد هذه النقط، وهل تم احترام المدة المعلن عنها.
واقعة أخرى، وبعيدا عن الخطابات السياسية الصادرة عن رئاسة الحكومة، والتي تعتبرها الحركة النسائية تهين المرأة المغربية، وتحط من دونيتها، فإننا لحد اليوم لم نلمس بشكل جلي يعمل أو مجهود يهم حماية حقوق المرأة والنهوض بها، فمشروع قانون العنف ضد المرأة لم يرى النور بعد، وقانون عاملات وعمال المنازل لم يتم الحسم فيه بعد بمنع بشكل مطلق عمل الاطفال دون السن 18 سنة. كما أن مبادئ المناصفة المقررة دستوريا، لم يتم احترامها في مجموعة من المؤسسات والقوانين.
هناك وقائع عديدة أخرى، والتي تسمح بالقول أن الوضع الحقوقي في المغرب لم تتضح معالمه بعد، وأن هناك دينامية قوية للفاعلين، ولكن نسجل للأسف أن مطالب الحركة الحقوقية يتم الاستجابة إليها بمخرجات يحدد تاريخها وموضوعاها “الزمن السياسي” للدولة.
كيف ترون تجاوب المغرب مع الهيئات الدولية المتعلقة بحماية حقوق الانسان خلال السنوات الاخيرة؟
بالفعل خلال السنتين الاخيرتين، نسجل أن المغرب انفتح على مجموعة من الهيئات الاممية الدولية، حيث زار المغرب مجموعة من هيئات الاجراءات والمساطر الخاصة، ومنها المقرر المعني بمسألة التعذيب، الفريق المعني بحقوق المرأة بين التشريع والممارسة، والفريق المعني بحالات الاعتقال التسعفي وغيرهم…
كما أن المغرب قدم مجموعة من التقارير الوطنية أمام هيئات المعاهدات، كالتقرير المقدم أمام اللجنة المعنية بالتعذيب، والتقرير المقدم أمام اللجنة المعنية بحقوق الطفل والتقرير المقدم أمام مجلس حقوق الانسان في إطار الاستعراض الدوري الشامل.
كما نسجل تنامي الوعي لدى الحركة الحقوقية المغربية التي تقدم في كل مناسبة دولية تقاريرها الموازية، وتسجل فيه مواقفها ورؤيتها.
في هذا الاطار، نعتبر أن التجاوب لا يجب أن يقتصر على مستوى الالتزام بالمواعيد والاجندة الدولية واستقبال الوفود الرسميين، بل يجب أم يتم التجاوب مع التوصيات والمقترحات المقدمة من قبل هاته الاجهزة الاممية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن خبراء لجنة التعذيب انتبهوا الى كون المادة 475 من القانون الجنائي الذي تسمح بزواج الطفلة من مغتصبها يعتبر في نظرها “إفلات من العقاب” وطالبوا المغرب بتعديل تلك المادة، للاسف أن الحكومة المغربية انتظرت شهرين لتقدم الطفلة أمينة الفيلالي نفسها قربانا لهذه المادة.
كما أن التوصيات الصادرة عن السيد خوان مانديز، المقرر المعني بالتعذيب مهمة وأساسية ويجب التفاعل الايجابي معها، فالإحراج الذي تسببه منظمة العفو الدولية للمغرب باعتباره أحد النماذج الخمسة عالميا التي يجب وقف التعذيب فها وانطلاقها من حالة علي أعراس، فالسيد خوان مانديز كان سباقا لإثارة انتباه الدولة المغربية في هذا الموضوع.
واليوم، أيضا نسجل عدم التفاعل الايجابي مع التوصيات الصادرة عن الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، والذي يطالب فيه الحكومة المغربية بالإفراج عن مجموعة من الاسباب وتقديم التعويض عن الاضرار التي لحقتهم.
بخصوص موضوع الهيئات الاممية، فليست الحكومة وحدها معنية بها، بل أيضا كل المتدخلين في صناعة القرار العمومي، من برلمان الذي يجب عليه إثارة الموضوعات والتوصيات الصادرة عن هذه الهيئات من خلال أسئلة برلمانية أو اللجن التقصي أو في مجال التشريعي، الاحزاب السياسية والمؤسسات الوطنية، وأيضا المجتمع المدني والحركة الحقوقية، التي يجب أن تجعل من التوصيات والتي وافقها عليها المغرب حججا للترافع من أجل النهوض بحقوق الانسان وحمايتها، فمثلا عدد التوصيات الصادرة عن الاستعراض الدوري الشامل والتي قبلها المغرب طوعيا بلغت 128 توصية، فهل عملت الحركة الحقوقية المغربية على تجميع وتتبع هذه التوصيات.
ماذا تشكل محطة تنظيم المنتدى العالمي لحقوق الانسان بالمغرب؟ وماهي الرهانات المعقودة عليه خاصة بالنسبة للحركة الحقوقية؟
المنتدى العالمي لحقوق الانسان، الذي يحتضنه المغرب نهاية شهر نونبر من هذه السنة بمراكش، هو محطة دولية هامة، وهو يختلف عن المنتديات الاجتماعية الاخرى، بسببين، الاول أن فضاء منتدى حقوق الانسان، هو فضاء الحوار والنقاش وليس فضاء التظاهر والاحتجاج، وثانيا أن المشاركين في المنتدى يمثلون ثلاثة أنظمة: الحكومات والمؤسسات الوطنية والمجتمع المدني، بالإضافة الى الخبراء والمقررين الدوليين.
وهنا على الحركة الحقوقية المغربية أن تبني رهاناتها بخصوص هذه المحطة، الرهان الاول ذو بعد وطني-دولي، وهو الدفع بالحكومة المغربية من أجل الانضمام للبروتكولات الدولية كالبروتكول الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمتعلق بإلغاء عقوبة الاعدام والبروتكول الاختياري الملحق بالعد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ورفع التحفظات المتعلقة بالشكاوى الفردية وهي: المادة 76 من اتفاقية العمال المهاجرين، والمادة 14 من الاتفاقية الدولية لمنع التمييز العنصري، وإعلان باختصاص لجنة حماية الاشخاص من الاختفاء القسري وفق المادة 31. وهي رهانات تتماشى مع التدابير التي اتخذها المغرب عقب مشاركته في مؤتمر فيينا سنة 1993، حيث يلاحظ أنه خلال تلك السنة صادق المغرب على أربع اتفاقيات دولية أساسية كلها بتاريخ 21 يونيو.
أما الرهان الثاني، هو أن تنخرط الحركة الحقوقية المغربية في الدورة العالمية لحقوق الانسان، ومساهمتها في إنتاج التشريعات الدولية، كتقييم وتحيين اتفاقية حقوق الطفل التي مرت عليها 25 سنة، والتفاعل مع الخبراء والمقررين وفرق العمل الدولية، من أجل اقتحام منظومة الامم المتحدة لحقوق الانسان.
بالإضافة الى تقييم عمل الهيئات التعاهدية وغير التعاهدية والتفكير الجماعي والدولي حول السبل الانجع من أجل الارتقاء بعملها والبعد الالزامي فيها للدول.
إذن محطة مراكش الدولية، وهي النسخة الثانية، يمكن اعتبارها تمرين أولي للحركة الحقوقية المغربية في تنظيم واستثمار مثل هاته اللقاءات وفي أفق العمل بأجندة واضحة ومدققة للنسخة الثالثة التي ستكون بالأرجنتين السنة المقبلة.