الأخبارمجتمعمستجدات

حماس “تكتيكي” وحماس “شعبوي”!

الخط :
إستمع للمقال

لقد كشفت عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها منظمة حماس في غلاف غزة، يوم السبت 7 أكتوبر الجاري، عن “حماس تكتيكي” يغلب عليه الاندفاع (Enthousiasme)، دون أي أفق استراتيجي، أو نظرة بعيدة المدى تستحضر النتائج والمكاسب المنتظرة بالمقارنة مع الخسائر المتوقعة.

فقد أبانت تطورات الأحداث المتسارعة على امتداد الأسبوعين المنصرمين بأن منظمة حماس تصرفت ب”حماس تكتيكي”، استحضرت فيه قتل عدد كبير من المستوطنين اليهود، لكنها ربما لم تتوقع في المقابل بأنها ستقتل، أو على الأقل ستكون سببا في قتل عشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين، في عملية الانتقام المتوقعة من جانب إسرائيل.

ولئن كانت حماس، بحماسها القاصر والتكتيكي، لم تكن تتوقع هذه النتائج الكارثية، فإن ذلك مصيبة لأنها تعطي الانطباع بأنها تتلاعب بمصير ملايين الفلسطينيين الباحثين عن بلد آمن، أما إذا كانت تدرك جيدا العواقب وتصرفت على النحو أعلاه مع سبق الإصرار والترصد، فإن المصيبة والكارثة مضاعفة، لأننا سنكون وقتها أمام منظمة ترهن مصير شعب بكامله، وتسوقه نحو القتل والتقتيل لتحقيق مآرب غير تلك المعلن عنها في قناة الجزيرة وفي بلاغات “المقاومة”.

وفي هذا الصدد، يرى جاستن كونراد، مدير مركز التجارة الدولية والأمن وأستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورجيا ومؤلف كتاب المنافسة العسكرية (2021) والمقامرة والحرب (2017)، بأن ما قامت به حماس يدخل في خانة “المقامرة من أجل يوم القيامة”، مردفا كلامه في مقال منشور على جريدة ناشيونال أنترست الأمريكية بأن “حماس منظمة متدهورة، راهنت بكل شيء على هجوم واحد جريء، وكان الهدف هو تبديد الشكوك بشأن شرعيتها وضمان احتفاظها بالسلطة في قطاع غزة، ولم يكن الهدف من الهجوم هو الإطاحة بالحكومة الإسرائيلية أو هزيمة الجيش الإسرائيلي لأنها تدرك أن هذا غير ممكن”.

وفي المقابل، فإن “الحماس قصير المدى” الذي تدثّرت به منظمة حماس، لساعات قليلة بعد عملية طوفان الأقصى، سرعان ما تبدد وتلاشت معه زغاريد سكان غزة وهم يغنمون الأسيرات اليهوديات، ويقودون بابتهاج المركبات المصفحة الإسرائيلية، ليحل محله خراب شامل ودمار هائل والآلاف من الضحايا الفلسطينيين الأبرياء.

بل أكثر من ذلك، قتلت حماسها “بحماسها النزق هذا” كل ما تبقى من آمال السلام وحل الدولتين، ومنحت كذلك لإسرائيل “شروط الدفاع الشرعي أمام العالم”، بعدما أسدلت عليها وصف “المظلوم”، في سابقة خطيرة لم يكن الكيان الاسرائيلي ينتظرها حتى في أكثر الحالات تفاؤلا.

وفي ظل المنعطف الخطير الذي دخلته حاليا المأساة الفلسطينية، بسبب حماس منظمة حماس الزائد، لم يبق أمامها سوى تجييش الشعوب العربية وتأليبها ضد أنظمتها السياسية، لممارسة بعض الزخم الإعلامي والضغط الجماهيري المدفوع بالتعاطف مع القضية الفلسطينية.

وتعليقا على هذا الموضوع، يوضح جاستن كونراد “حينما تشن هجومًا كبيرًا ثم لا يبقى لك سوى دعوات الخروج إلى الشارع.. فالمعنى الوحيد لذلك أنك انتهيت”، موضحا بأن ” حماس، بدون شك، أنفقت الكثير من الموارد والأفراد في تنفيذ هذا الهجوم، مما جعلها لا تملك سوى القليل من القدرة على فعل المزيد. أملهم الوحيد الآن هو تحفيز الفلسطينيين وغيرهم في جميع أنحاء العالم على التحرك. وهذه هي المقامرة، هذه هي الخطة بأكملها، لذا، عندما نسمع قادة حماس مثل إسماعيل هنية يعدون بشن هجمات مماثلة، فإن هذه الوعود بصراحة لا تتمتع بمصداقية، فتنظيم القاعدة بعد كل شيء، قضى سنوات يعد بشن هجمات من شأنها أن تتجاوز هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ولكن في الواقع، استمر التنظيم في فقدان سمعته بسبب هذا الهجوم الوحيد”.

وإذا كانت حماس قد تصرفت بمنطق “الحماس التكتيكي الذي ينطلق من مفهوم المقامرة لأجل يوم القيامة”، فإن التيارات الإسلامية وبعض التنظيمات الحزبية العربية برهنت عن “حماس شعبوي تغلب عليه العاطفة” وهي تتماهى مع دعوات حماس للتظاهر والاحتجاج والتدافع في الشوارع العربية والإسلامية.

وهنا لا بد من الرجوع قليلا إلى يوم السبت 7 أكتوبر الجاري، وتحديدا بعد ظهور أولى الصور والمقاطع التي نشرها الإعلام الحربي لمنظمة حماس. وقتها خرج العديد من الإرهابيين السابقين (محمد حاجب)، والشيوخ الحاليين في جماعة العدل والإحسان (حسن بناجح وغيره)، وبعض العلمانيين القوميين، يعبرون بحماس زائد عن “فرحتهم وحبورهم لما سموه انتصار حماس على إسرائيل!”، بل منهم من تمنى لليهود، بسخرية سوداء، “شباط مبروك” في إشارة إلى يوم السبت المبارك عند اليهود.

لكن غبش هذا الحماس سرعان ما أفل مثل ما يأفل السراب بعد ساعات الهجير. فقد تبين أن انتصار حماس المزعوم لم يكن سوى معركة واحدة في حرب ضروس سيكون ضحيتها الأول والأخير هم الفلسطينيين الأبرياء. وكذلك كان، فقد هرعت حماس إلى أنفاقها، ولم يبق أمامها سوى خطابات التجييش ودعوات التظاهر، بيد أن عداد الضحايا لا زال يحصي الأموات من النساء والأطفال والشيوخ الأبرياء في قطاع غزة.

واللافت أن هذا “الحماس الشعبوي” الذي انبلج من ثنايا أحداث غزة المتصاعدة، شكّل مطية، ونقطة تقارب، بين العديد من التنظيمات والجماعات والأحزاب المتناقضة إيديولوجيا وأحيانا حتى عقائديا. وهذا يذكرنا بنفس البراغماتية التي طغت على التشكيلات المؤلفة لمظاهرات 20 فبراير في سنة 2011.

فما إن تصاعدت حدة الضربات الاسرائيلية في غزة، حتى أعلنت جماعة العدل والإحسان النفير العام في صفوف نسائها وشبيبتها، واصطفت في ذلك إلى جانب حركة التوحيد والإصلاح رغم التباينات العضوية بينهما. كما التحق بهما مؤخرا حزب التقدم والاشتراكية الذي يحاول نفض الغبار عن هياكله التنظيمية بعد فترة الكساد الحزبي مؤخرا.

كذلك، أصبحنا نرى بأن بعض التنظيمات المهنية أضحت تخرج في مظاهرات أقل ما يقال عنها أنها “للرياء” وليس لشيء آخر. فالكثير يعتقد بأن التظاهر مع غزة هو مرادف للوطنية والإسلام، والحقيقة أن الشعبوية الموغلة في التضليل هي من صنعت هذا الرأي العام المعيب والمشوب بالبروباغندا. فالتضامن مع فلسطين هو تضامن مبدئي وغير مشروط، ولكن يجب تمييزه عن منظمة حماس وعن عملياتها القتالية المدفوعة والمموّلة من إيران.

وفي المحصلة، فقد أظهر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في عام 2021، ب “أن تراجع شعبية حماس بين الفلسطينيين قد انعكس بعد أن شنت هجمات صاروخية ضد إسرائيل، وهذا نمط متكرر، ففي ثلاثة صراعات كبرى قبل عام 2021، نجح القتال مع إسرائيل في إحياء شعبية الحركة وتستمر موجات الدعم الشعبي هذه لمدة أقصاها ستة أشهر دائمًا قبل أن تصبح وعود حماس الطموحة جوفاء”.

فحماس تتغذى من حربها مع إسرائيل، كما تستمد شرعيتها الداخلية من القتال المستدام، لكنها كلما اشتد حولها الطوق والحصار، فإنها تنزع لمطالبة الشعوب العربية بالتظاهر، مستغلة تعاطف هذه الشعوب مع القضية الفلسطينية، لكنها تنسى، كما قال الكاتب المصري إبراهيم عيسى “بأن حماس تحاول رهن الشارع العربي بعد استنفاذ عملياتها القتالية، ولكنها لا تستشير هذا الشارع عندما تكون ذاهبة لارتكاب هذه العمليات الخطيرة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى