الأخبارمجتمعمستجدات

حسن بناجح.. براح من زمن مضى

الخط :
إستمع للمقال

مرة أخرى لا يسع المرء إلا أن يقف مذهولا أمام حجم التلفيق وخلط الأوراق الذي عجّت بهما تدوينة حسن بناجح، براح جماعة القومة المزعومة، وهو يحاول جاهدا الركوب على حدث عابر من أجل استدرار لحظات إضافية في عمر جماعته التي توفيت فكريا وتنظيميا، بعد أن عاشت عاقرا عن تقديم أي إضافة أو جديد للفكر السياسي المعاصر.

ففي واحدة من خربشاته الكثيرة والمملة على حائطه الفيسبوكي، خرج علينا حسن بناجح وكأنه من أهل الكهف الذين انقطعت عنهم أخبار الدنيا من أجل طرح مسألة جدلية أقل ما يقال عنها أنها تافهة، متسائلا عن سبب عدم استجابة الدولة للمطالب الاحتجاجية للمواطنين وتفضيلها للمقاربة الأمنية عوض ذلك، قبل أن يضيف ببلاهته المعهودة أن السبب لا بد وأن يكون بسبب عدم الرغبة في إعطاء المشروعية للشارع.

ومرد التفاهة الملتحفة برداء الخبث في تدوينة حسن بناجح راجع إلى أن الرجل وكأنه يعيش خارج التاريخ والسياق، تغاضى عن مجموعة من الحقائق التي من المفروض أن يدركها هو والمداويخ بجماعته بعد كل هذه السنوات من الخيبات، والتي نجد نفسنا في كل مرة مضطرين إلى شرحها “بالخشيبات” نقطة بنقطة، لعل براح العدل والإحسان يستوعبها إن كانت لا زالت في قلبه ذرة إيمان بمعنى الوطن والوطنية.

فأين تخرج فئة مهنية للشارع وتمارس حقها في المطالبة بتحسين وضعيتها الوظيفية، فهو أمر طبيعي وتمرين ديموقراطي يتم تنظيم العشرات منه كل يوم وبجميع ربوع الوطن من شماله إلى أقصى جنوبه، وهو ما تتعامل معه القوات العمومية والسلطات المحلية المختصة بما يقتضيه القانون من التأطير والمواكبة الأمنية والتنسيق مع المنظمين، بما يضمن التوازن بين متلازمة صيانة النظام العام وحماية ممارسة المواطنين لحرياتهم الفردية والجماعية.

ولكن ما لا يفهمه بناجح وغيره هو أن القوات العمومية قد تضطر أحيانا وفي حالات معزولة إلى التدخل للتعامل مع شكل احتجاجي بالشارع العام لاعتبارات تقنية، لا علاقة لها أساسا بجوهر المطالب الاجتماعية أو المهنية، وهي الاعتبارات التقنية التي ترتبط في غالب الأحيان بمنع عرقلة السير بالشارع العام أو تحوّل خروج الشكل الاحتجاجي عن طبيعته ومساره الأساسي بشكل قد يمس بالنظام العام.

وحتى في حالة تفعيل البروتوكولات النظامية في التعامل مع الحركات الاحتجاجية بالشارع العام، فإن ما يُصرّ سدنة معبد العدل والإحسان على تجاهله هو التحول الكبير في طريقة التعامل الأمني مع الاحتجاجات بالشارع العام، فلا أحد يمكن اليوم أن ينفي أن القوات العمومية أضحت أكثر التزاما باستعمال وسائل تدخل بديلة تضمن سلامة المواطنين وعناصرها الجسدية، وهو ما بدى جليا مؤخرًا من خلال اللجوء لاستعمال شاحنات ضخ المياه وغيرها…

وإغناءً لثقافة حسن بناجح، فهذه الوسائل تندرج ضمن ما يعرف بمنظومات الوسائل السلمية واللاعنيفة في التعامل الديموقراطي مع الحشود، وهي عبارة عن وسائل عمل وتقنيات مخصصة للاستعمال بطريقة تحافظ على أمن وسلامة الأشخاص مع ضمان تحقيق غاية المحافظة على النظام، ولنا في استعمال هذه الوسائل من قبل أجهزة إنفاذ القانون بالدول المتقدمة والديموقراطيات الكبرى أسوة صالحة لمن ابتغى “المعقول” وليس إطلاق الكلام على عواهنه.

هذا في الشق المتعلق بالشكل فيما يتعلق بتعامل الدولة مع الأشكال الاحتجاجية بالشارع العام، أما في الشق المتعلق بجوهر هذه الاحتجاجات ومطالبها، فما على بناجح إلا أن يزيل غمامة السوداوية الملتحفة برداء الطاعة العمياء للجماعة، كي يرى بأم عينيه حركية التفاعل الإيجابي لجميع مكونات الدولة التنفيذية والتشريعية مع المطالب المهنية لجميع الفئات خلال العشرية الأخيرة.

فكيف لم ير حسن بناجح التغييرات المهمة التي طرأت على النظام الأساسي للوظيفة العمومية والأنظمة الفئوية الخاصة خلال السنوات المنصرمة، والتي نتج عنها مكاسب مهنية وزيادات في الأجور وتحسين الوضعية الاجتماعية لمختلف فئات العاملين بالقطاع العام والخاص، والتي كان آخرها الزيادة الأخيرة في الأجور التي ستمتد بين سنتي 2024/2026 وستساهم لا محالة في خفض تأثيرات التضخم العالمي على المواطن البسيط.

وكيف لم يخبره إخوانه في الجماعة، النشطين ضمن التنظيمات النقابية والمهنية، كيف ارتفعت وتيرة الاستجابة لمطالب العمال والموظفين خلال العشرين سنة الأخيرة، وكيف أطلقت الدولة برامج الدعم الاجتماعي لأكثر الفئات الاجتماعية هشاشة في المجتمع، أم أنهم ألفوا سياسة الإنكار والسوداوية ولم يعودوا يستطيعون تجاوزها.

وفي المقابل، يحق لأي مواطن مغربي أن يسأل عما قدمه حسن بناجح وغيره من مناضلي العمامة والتدوينات للمجتمع المغربي، غير خدمتهم لأجندات يعلم الله وحده من خلفها، وبحثهم عن الركوب على الحدث وتصيد الأخطاء والعثرات أو اختلاقها لمعاكسة سيرورة تطور المغرب وتقدمه بخطى واثقة نحو الأمام.

فأن تتعامل القوات العمومية مع شكل احتجاجي بالشارع العام بوسائل بديلة، تفاديا لانزلاقه نحو عرقلة حرية تنقل باقي المواطنين ووسائل النقل أو المس بالنظام العام، ليس معناه أن منظومة الدولة تعاكس الإرادة المجتمعية كما يحاول أن يصور عدميو العدل والإحسان، بل معناه أن القوات العمومية تمارس اختصاصاتها في حماية الأشخاص والممتلكات وفق القانون وتحت سلطته، وأن الاستجابة للمطالب المهنية والشعبية ستتم ضمن الإطار المؤسساتي والنقابي الذي يؤطره نفس القانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى