الأخبارركن الميداويمستجدات

جولة ممتعة مع صديقي ’’التمساح“ في ثنايا التهريج والدموع

الخط :
إستمع للمقال

صديقي عبد الإله واسمه الكامل عبد الإله بنكيران ليس كأصدقائي الآخرين الذين تصبح بفراقهم بلا بوصلة ولا عنوان، بحكم تحليهم بالصدق الخالي من أي رياء أو نفاق. صديقي مصاب بمزاجية مفرطة تجعل مشاعره تتبدل بسرعة قياسية من حال إلى حال وفق اللحظة الاضطرابية التي تلُمّ به.. يعشق التهريج لا لأنه من أرقى فنون الفكاهة والتسلية، وإنما كوسيلة لخدمة البروباغندا السياسية الشعبوية. وقد قال عن نفسه إنه ”أول وآخر رئيس حكومة يُضحك المغاربة“. 

حينما تسأله عما إذا كان يمارس التهريج من أجل تمرير رسالة فيها من الفكاهة والتسلية ما يوفر للجمهور المتلقي لحظة من المرح والاسترخاء، وهو تهريج مقبول من وجهة نظر العارفين بهذا الفن العريق، أم أنه مزيج من التلميحات السياسية السخيفة التي تصب في الشعبوية، وهو تهريج مذموم بمنظور شريحة واسعة من المغاربة التي لا تتردد في وصف السياسيين الفاسدين بالمُهرجين. حينما تطرح عليه هكذا سؤال، يجيبك، بشيء من المصارحة، بأنه يعشق التهريج والفكاهة طالما يوفران للمتلقي فسحة من التسلية والتفريغ النفسي، من جهة، وطالما يكسَب هو وحزبه، العدالة والتنمية، من خلالهما، ولم لا، نقط ارتكاز جديدة ضاعت منهما في الاستحقاقات الأخيرة، من جهة أخرى.

صديقي لا يجد حرجا، والحالة هاته، في البوح بحقيقة أن التهريج الذي يمارسه هو في آن واحد أداة كوميدية للتخدير، وأداة تخديرية للكوميديا، بما يعني أنه مزيج من الذكاء والبلاهة المقصودين لممارسة فعل الشحن والتخدير على المواطنين.

نقرأ من خلال هذا المنحى الاحتيالي المتعشش في بيئة صديقي عبد الإله، سيادة تيار الشعبوية التي غدت تخدم المُهرّجين من مختلف المشارب والاتجاهات، بعد أن تجاوزوا عقدة اللسان التي كانت تصيبهم في العهد البصريوي وما قبله، وبعد أن أنتجت التحولات التي يعرفها المغرب، سياقا جديدا فيه من هامش الحرية والانفتاح ما يساعد المُهرجين الجدد على حشد المواطنين من فئات المغلوبين محدودي الثقافة والمعرفة كرهان مضمون النتائج والغايات.

وأسلوب التهريج الذي يروق لصديقنا بنكيران، وإن كان يقترب في شكله من أسلوب الحلايقي في جامع الفنا، إلا أنه يبتعد عنه في المسالك والأهداف. ففيما الأول يتقمص أدوارا وملاحم بطولية زائفة بغرض التضليل والتآمر الخفي على المواطنين، يجنح الثاني، أي الحلايقي، إلى ممارسة نوع من الجاذبية على المستمع الذي يذهب به الخيال وهو يتتبع مشاهد السرد الفكاهي إلى بناء عوالمه الممتعة والمتحررة من قيود التضليل والوعود المُغرية الناطقة بخُبث باطن شائع في أوساط المهرجين السخفاء، بناء على قناعة سخيفة هي الأخرى بأن المغاربة بحاجة دائمة إلى أقراص ’’تهريجية“ لتنشيط جانبهم المخيالي.

عشق صديقنا للتهريج لا يُنقص في شيء من عشقه للبكاء الذي يبرع فيه وكأنه نجم من نجوم هوليود في التمثيل الدرامي وذرف الدموع. دموع شبيهة بتلك التي تذرفها التماسيح حين تفتك بفريستها وتنزل بها قعر الواد العكر.. دموع ليس على المغلوبين البائسين الذين يخرجون في مسيرات حاشدة لمواجهة وباء غلاء المعيشة والارتفاع المهول في الأسعار ممن يصفهم صديقنا تارة بـ’’الطبالة والغياطة“ وأخرى بـ’’الوجوه الكالحة“. بل هي الدموع السياسية من أجل تسويق الوهم والدجل للمغاربة تحت يافطة الإسلام السياسي الذي سرق من خلاله صديقنا السلطة لعشر سنوات كانت كلها مثيرة للسخط والتذمر. 

قرأنا بإمعان كتب التاريخ السياسي وتجولنا في ثنايا الحضارات الإنسانية، فلم نعثر على زعيم أو قائد أو رئيس حكومة أذرف دموعا، سوى ما أذرفها في فرحة انتصار كبير له ولشعبه، أو في خيانة عظمى لطخ بها اسمه ومساره السياسي فجعلته يُذرف دموع ندم جمرية، أو في ذنب كبير اقترفه وانهار باكيا على فعلته، أو في لحظة تعاطف إنساني مرتبط بوطنه ومواطنيه. ودون ذلك، ما هو إلا كذب وتآمر على الغفلة من أبناء الوطن، سيسجل عن صاحبه التاريخ أنه كذاب محتال.

صديقي اعتاد أن يحمل معه خزانا من الدموع لذرفها في التجمعات واللقاءات التي يعقدها هنا وهناك، وحتى في التصريحات التي يدلي بها للقنوات الأجنبية، ومنها قناة العربية التي أمطرها بسيل من الدموع تحسُّرا على ضحايا الاعتداء الشنيع الذي استهدف المسجد النبوي الشريف في يوليوز من سنة 2016. وجميع من تتبع لحظة انفجار صديقنا بالبكاء، اعتبرها استنساخا لمشهد مماثل يُجسد الرئيس أردوغان وهو يجهش بالبكاء أمام الكاميرات لدى سماعه قصيدة للقيادي الإخواني، محمد البلطاجي، يُرثي فيها ابنته التي ماتت خلال المواجهات في القاهرة.

ويأتي المهرجان التضامني مع غزة ليستسلم صديقنا مرة أخرى لدموعه حسرة على ما يعانيه الشعب الفلسطيني من تقتيل وتشريد على يد الإجرام الإسرائيلي الذي هو إجرام ضد الإنسانية. وهي دموع وظّفها صديقنا لتوطين انتمائه للتيار الإخواني ولأخذ مسافة مع حدث توقيع حزبه على اتفاق التطبيع، إرضاء للحركات الإسلامية، ليس إلا.

والملفت أن مثل هذه الدموع الساخنة لم يذرف منها الصديق بنكيران دمعة واحدة على ضحايا زلزال الحوز الذي ربطه في بيان ظلامي بـ’’المعاصي والمخالفات الموجودة في الحياة السياسية العامة والانتخابات“.

ويأتي هيجان العيون الكوميدي، والمثير للتقزز والاشمئزاز، أثناء كلمة ألقاها في لقاء سياسي من تنظيم الكتابة الإقليمية بفاس، حيث طبقته الدمعية لم تقْو على مقاومة دخول عدد من العضوات والمتعاطفات إلى القاعة بكثافة، فاستسلم صاحبنا لغزارة الدموع والشهق لعدة دقائق. فرط الإدماع هنا ينطق بتمويه خطير ومدمر. ومن قال إن صديقي عبد الإله لا يوظف البكاء لأغراض سياسية محسوبة، فهو لا يفهم شيئا في سياسة الدموع ولا في دموع السياسة. والأدهى في كلمته، التباهي بحصيلة ومنجزات حزبه أثناء حكمه. فإذا كانت إنجازاتك عظيمةيا صديقي، فلماذا توظف البكاء والمواطن راض عنك وعن أدائك أنت الفارس المنقذ صاحب الفضل في هزم البطالة وتحسين الأجور وملء قفة الدرويش. كيف تبكي وقد أصلحت التعليم ورفعت من مستوى الرعاية الصحية وحققت الإقلاع التنموي المنشود؟

وإلى أن يجيب صديقنا على هذه الأسئلة، أترك له المجال مفتوحا لوضع ما تبقى من أسس نظرية لمدرسته البكائية التي لم ولن تُثبت فعالية تُذكر في الشحن والاستقطاب، طالما ظاهرها التحسّر والتأثر، وباطنها استجلاب العواطف والشحن وضبط الإيقاع الشارعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى