قال الصحفي ومدير نشر جريدة الاتحاد الإشتراكي عبد الحميد جماهري، إن حتى السنة التي نودعها، تنتمي إلى المستقبل… سنة من تاريخ يبدو وقد مضى، لكنه في حقيقته عتبة تاريخ قادم…سنة أخرى تعلمنا بأن الشعوب لا تنال دوما الفرصة بأن يتوفر لها قائد يجمع بين الذكاء الاستراتيجي، والانحياز الإصلاحي، والرؤية الاقتصادية والحس الاجتماعي التضامني، والقائد الجيو عسكري، صاحب الرؤية الثاقبة، والتقدير الجيد للمواقف، المصلح الديني، كما توفرت للمغرب، مع محمد السادس.
وجاء ذلك ضمن عمود “كسر الخاطر” للجماهري ضمن عدد يوم غد الأربعاء من جريدة الاتحاد الاشتراكي، بعنوان”2024 :في أفق ربع قرن من حكم محمد السادس”.
وكتب عبد الحميد جماهري في عموده مايلي:
حتى السنة التي نودعها، تنتمي إلى المستقبل… سنة من تاريخ يبدو وقد مضى، لكنه في حقيقته عتبة تاريخ قادم…سنة أخرى تعلمنا بأن الشعوب لا تنال دوما الفرصة بأن يتوفر لها قائد يجمع بين الذكاء الاستراتيجي، والانحياز الإصلاحي، والرؤية الاقتصادية والحس الاجتماعي التضامني، والقائد الجيو عسكري ، صاحب الرؤية الثاقبة، والتقدير الجيد للمواقف، المصلح الديني، كما توفرت للمغرب، مع محمد السادس.
فقد وجد فيه المغاربة، وأيضا جزء كبير من نخبة وقادة العالم، صفات الذكاء التاريخي، الذي يقتنص اللحظة، ويساعدها على النضج ويخلق لها شروط التحقق الميداني، والانتقال من مبادئ عامة جميلة ونقية ومغرية، لكنها بعيدة عن الواقع…
لا كما تحقق مع محمد السادس، ونحن ندخل السنة الخامسة والعشرين من عهده، ربع قرن من فضة الحكم، رأينا الصفات كلها: المصلح الاجتماعي، والقائد الديبلوماسي والعسكري، المخطط الاستراتيجي في الاقتصاد والقوة الناعمة، والجيوستراتيجي في الديبلوماسية والسيادة الوطنية..
وفي قلب هذا الحضور الشامل للمغرب في الجهات كلها، هنا في قلب المجرّة، يوجد محمد السادس الذي يحصّن مقومات المغرب، العائلية والاجتماعية والتنموية والروحية : تحصين الأسرة بالإصلاح، وليس بالوعظ والإرشاد والأبوية المتعالية عن حقائق الناس في اليومي والمعيش، وتقريب التدين المغربي من قيم العصر بالدفاع عن إمارة المؤمنين التي تقود التحديث وتضمن الثوابت، والانفتاح مع تصليب منظومة القيم المنتجة، القيم الفاعلة، حتى إن الدولة أضحت فاعلا أخلاقيا، من خلال الخطب التي دافع فيها الملك عن الجدية والصرامة مع الذات والصدق والوطنية
نحن نعترف بأن الحصيلة، للسنة التي نودع، والسنوات التي سبقتها، وما ينتظرنا من أشغال في السنة القادمة، تتجاوز قدرة جريدة، بل كل الجرائد الوطنية على حصرها.. فالسجل الديبلوماسي يفوق نتيجته، والحصيلة الجيوسياسية فاضت عن تمنياتنا، والتغلغل القاري أصبح مضرب المثل، والإبداع الرياضي خلق لوحده كوكبا مغربيا، والابتكار والقوة الروحية الناعمة، والاحتضان الدولي للثقافة والقيم المؤسسة لإمارة المومنين والإنسية المغربية، تتحول، رويدا رويدا، إلى مشترك إنساني من خلال الأمم المتحدة والعلماء الأفارقة ومن خلال أنشطة أخرى، وعلى ذلك يقاس ما يتم داخليا من مبادرات يتابعها العالم قبل المغاربة..
ولاشيء صار في حكم الطابو في المغرب: كل شيء يُناقَش ويتم تداوله… من حرية المعتقد إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة.. إلى التعبير عن مواقف قد تسير في تيار معاكس للدولة!
في هذا المغرب الذي ينبثق بقوة وعزم، وجد المغربي المحافظ على أس هويته التقليدية، ما يطمئنه عليها،كما يجد الديموقراطي الحداثي، التركيبة والوصفة العقلانية والذكية ليطمئن على السير باتجاه التاريخ، ويجد الإفريقي الهوى ما يطمئنه على فعالية الانتماء والحرص على قاريته، كما يجد فيه الليبرالي النزيه، كل ما يشده إلى مشروع فتح نوافذ المغرب على عالميته وأفقه الإنساني: هي توليفة لا تكون في متناول أي شعب وأية أمة..
ولا بد لها من قيادة واسعة الأفق لكي تتحقق، وتحقق تجانسها وانسجامها بدون الدخول في صراع المرجعيات القاتلة والهويات الحادة..
المغرب يتحرك بكل أجنحته إنه المغرب، البلاد التي تحركت بعد فترات من التأسيس الذي تطلب منها مجهودا خاصا في تحصين وجودها وحدودها وتدبير تناقضاتها، ثم انتمت لأفق الدولة المجرّة، ذات الحضور الشامل، دوليا وقاريا وإقليميا ووطنيا
هذه المجرة تسارع وتسرّع التاريخ لكي تدخل مرحلة حضارية جديدة
وقد بدأتها في كل منعطف جغرافي من السياسة الدولية، يوجد المغرب. وفي هذه السنة بالذات كنا في ملتقى القارات الخمس كما كنا في ملتقى القارات الرياضية، وفي ملتقى القارات الروحية وملتقى القارات الأمنية، وملتقى القارات الديبلوماسية.
سنة إضافية أخرى في طريق هذا الحلم الذي يتغير.. منطقة تحول الحلم إلى الواقع الحي والمعيش.
هذه المنظومة الأخلاقية المغربية، بمثابة هندسة مضادة للزلازل. كل الهزات، وبائية كانت أو حربية أو أرضية، لم تفلح في خلق أدنى شرخ في هذه القيمة المغربية المبنية على ثوابت روحية وأسرية مجتمعية، صهرتها الوطنية المغربية في مدونة سلوك غير قابلة للتأكسد ولا التآكل
لسنا في حالة وضع حصيلة محدودة في الزمن، مع محمد السادس نشعر بأننا نحصي ما قطعناه من خطوات في اتجاه التاريخ الكبير، التاريخ الراشد الذي يتجاوز التحقيب السياسي والزمن السياسي المتعارف عليه، بانتظاميته ودوراته المحكومة بالسياسات العمومية المحددة الهدف نحن نشعر بأننا عالجنا ماضيا معقدا وبدأنا، منذ عقد على الأقل، في صناعة منعطف حضاري لبلادنا نحسم فيه القضايا العالقة ترابيا، ونحدد فيه هويتها الترابية والجغرافية، ونثبت البوصلة القارية وموقعنا وسط عالم متحرك. وبغيرة لا تضاهى، يدافع المغرب عن سيادته أمام كل الدول، ولا سيما منها الدول القوية ألمانيا، فرنسا وإسبانيا لكي يؤسس لذاته مكانة يُحسَب لها الحساب اللائق.
وعندما يكون الزمن بهذه الشساعة، وبهذه الرهانات، يكون من الصعب حصره في سنة ذهبت، وسنة تأتي
يبقى القول إن الحب الكبير قد تنسفه أشياء تافهة، كما يقول العشاق. وعليه، فإن المشروع الحضاري الكبير قد يقتله التافهون والفاسدون، والذين يعادون دولة الحق والقانون ويسعون إلى إعادة تشوير القضاء كي لا يشير إلى ما في الممارسة السياسية من ثقوب ومن فساد، وما في المؤسسات الأخرى التي كشفت عنها حيثيات المتابعة في ملفات ساخنة، منهم رجال أمن ورجال قضاء، موثقون ومستخدمون ومحافظون عقاريون وغيرهم..
إن الخدمة التي يمكن أن تقدمها الحكومة ومؤسسات الحكامة هي أن ندخل عصرا جديدا من محاربة الفساد لبناء دولة قوية، مبنية على الحق والعدل، وقادرة على تجاوز كل مثبطات الفاسدين في البلاد.
ولا يمكن أيضا أن نتحدث عن هذا الأفق بدون أن ننتبه إلى تسللات الأجسام الغريبة إلى السياسات الجماعية التي تهدف إلى تعطيل مشروع مثل الدولة الاجتماعية.
إن المشروع الذي يقوده وينجزه محمد السادس مشروع يسعى إلى وضع البلاد في مستوى إيقاع دولي عالٍ، كقوة صاعدة إقليميا وقاريا، ولما لا دوليا ( و ما قاله عمر هلال حول عضوية مجلس الأمن، أفق مشروع) …ولهذا يجب ألا تكون السياسة التي ينتجها المجتمع دون مستوى هذا المشروع الكبير للدولة ـ الأمة، التي تزخر بتاريخ يستحق مستقبلا يليق به…!