تصريحات بوقادوم.. عندما تصبح “السيادة الجزائرية” ورقة في سوق النخاسة السياسية

في السياسة، هناك مواقف تُكتب بحبر التاريخ، وأخرى تُباع في المزاد العلني، وعندما يفقد نظام سياسي متهالك كل أوراقه، لا يبقى أمامه سوى المقايضة، حتى لو كان الثمن هو كرامة البلد وثرواته. هذا بالضبط ما كشفه تصريح وزير الخارجية الجزائري الأسبق، صبري بوقادوم، عندما وضع موارد بلاده المعدنية على طاولة المساومات أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في محاولة يائسة لدفعه لتغيير موقفه من قضية الصحراء المغربية.
هل وصل الإفلاس السياسي في الجزائر إلى هذا الحد؟ هل باتت “السيادة الوطنية” مجرد شعار فارغ يلوّح به النظام في خطابات رسمية، بينما يفرط في مقدرات الوطن خلف الأبواب المغلقة؟ والأهم، أين هي تلك “القوة الإقليمية” التي يتباهى بها حكام الجزائر، إذا كان أحد دبلوماسييهم وأحد وزرائهم الذين تناوبوا على رئاسة دبلوماسية البلاد في السنوات الأخيرة يعرض كنوز البلاد كأنها مجرد هدية مجانية على أمل كسب موقف دبلوماسي؟
ثم لنتوقف عند نقطة أساسية، هل يظن النظام الجزائري حقًا أن رئيس دولة ورجل أعمال مثل ترامب، الذي بنى إمبراطوريته على الصفقات الكبرى، يمكن أن يُشترى ببضعة معادن؟ هل يعتقدون أن البيت الأبيض يُدار كما تُدار شبكات تهريب الوقود في الحدود الجزائرية؟ أم أنهم لا يزالون يعيشون في وهم أن “رشوة سياسية” قادرة على قلب موازين القوى؟
إذا كانت هذه هي استراتيجية الجزائر الدبلوماسية، فالأجدر بها أن تفتح مزادًا عالميًا، بدل أن تحاول بيع الوهم بصفقات تحت الطاولة. فالواقع أن العالم لم يعد يُدار بالمناورات البائسة، والمواقف لا تُشترى بمعادن أو وعود واهية.
بوقادوم لم يكن يتحدث باسم الجزائر كدولة مستقلة، بل كان يعكس عقلية نظام مستعد للتخلي عن كل شيء، طالما أن ذلك يخدم أجندته اليائسة. وإذا استمر هذا النهج، فلن يكون مستبعدًا أن نرى مسؤولين آخرين يعرضون ما تبقى من مقدرات الجزائر لمن يدفع أكثر.
السؤال الحقيقي لم يعد إلى متى يستمر النظام في هذه المهزلة؟ بل ماذا بقي لديه ليبيعه بعد؟ الأيام وحدها ستكشف المزيد، لكن المؤكد أن من يساوم على وطنه، لن يجد يومًا من يساوم من أجله.