محمد الكرم…حكاية 45 سنة من السياقة دون حادثة أو مخالفة سير واحدة
محمد الكرم 65 سنة، من مواليد مدينة فاس، ذو الاصول الشرادية، السائق صاحب صفر حادثة سير، الذي اختير كأفضل سائق مهني محترف من قبل وزارة النقل والتجهيز واللوجستيك لسنة 2014. تحدث لموقع برلمان عن تجربته الطويلة في ميدان السياقة وكان كريما في وقته ونصائحه، حدثنا عن اسرارها، ومشاقها، ومحطاتها، والدروس التي يمكن ان تستفاد من خلال خبرة 45 سنة من السياقة المحترفة، للحد من مأساة الطرق، وازهاق الارواح.
من خلال منبر موقع برلمان وجه محمد الكرم رسالته الى كل السائقين مهنيين وغير مهنيين، يحثهم فيها على التزام القانون والتحلي بالخلق لتسهيل عملية التنقل.
البدايات
محمد الكرم من مواليد مدينة فاس سنة 1949، متزوج وله اربع اولاد، بنتان وولدان، نشأ وترعرع وسط عائلة شرادية مكافحة وكبيرة، انتقل من خلالها والداه من نواحي مراكش الى فاس، تلقى تعليمه بنفس المدينة وقرر في سن الثامنة عشر وبشكل مفاجئ الانقطاع عن الدراسة وترك “المدرسة الصناعية” التي كان يرتادها، ليختار مجال السياقة. رد الفعل كما حكى لنا السيد محمد لم يكن مؤيدا لخياره، ورات العائلة ان مسار التعليم سيكون افضل بالنسبة اليه، لكنه تمسك بقراره وباختياره للسياقة بالذات كعمل سيجني به لاحقا قوت يومه، وسيحقق به التميز.
حصل السيد الكرم على رخصة السياقة سنة 1975، وزاول السياقة بشكل حر لسنتين، الى ان تمكن من اتقان السياقة بشكل ممتاز، ودخل ميدان السياقة المحترفة ليتميز بين جميع اقرانه، لخلو سجله المشرف من الحوادث والمخالفات طيلة 45 سنة من العمل الجدي والخلوق والمتقن، تنقل بين سيارات الاجرة الكبيرة والصغيرة، وخط طريقه بجد وتفاني.
حكى السيد الكرم لموقع برلمان عن ذكرياته مع السياقة منذ البداية، واخبرنا بأن اول سيارة ساقها كانت سيمكا 1000، مرورا بكل من فيات ورونو وصولا الى سيارة داسيا التي يسوقها حاليا.
كما تحدث الكرم عن كون السياقة اليوم اسهل بكثير من السياقة منذ 10 سنوات فقط، حيث كانت الطرق اشد وعورة، والسيارات بخيارات مبتكرة اقل، اما الان فان السيارة حسب قوله تتوفر على ظروف راحة اكثر، والطرق تتوفر على امكانيات حدوث حوادث اقل، ولم يعد الامر يتعلق بالنسبة اليه الان سوى بمدى اخلاقية السائقين وضبطهم للنفس واحترامهم لقواعد المرور.
التكريم
كما تحدث الكرم عن مناسبة تكريمه كأفضل سائق محترف لهذه السنة، بقوله انها كانت مناسبة مشرفة، اعترف من خلالها بمسيرته الحافلة، شاكرا التفاتة وزارة النقل والتجهيز على رمزية خطوتها، وقال انه ممتن لبادرتها التي عبر عنها الوزير بانها لم توفيه ولا السائقين حقهم وانما هي جهد المقل.
وعن كواليس هذه المباراة الضخمة، قال الكرم ان الوزراة نظمت مباراة وطنية لاختيار افضل سائق محترف في فئة سيارة الاجرة الصغيرة، وقد شهدت المسابقة اقبالا مكثفا من السائقين حول ربوع المملكة، كما ساهم في تأطير وانجاح الفعالية بالتعاون مع وزارة التجهيز لجان متكونة من رجال الدرك ورجال الشرطة والوقاية المدنية والسلطات المحلية والاعلام الذين كانوا حاضرين في كل محطات الحدث منذ لائحة الاختيار الاولى وحتى اجراء المسابقة وبلوغ التتويج. كما وجه الكرم الشكر لوزير النقل السيد عزيز الرباح الذي التفت حسب قوله.. “الينا ومع انه وعلى لسانه عبر عن رمزية التكريم الا اننا نفخر به لانه اعتراف بهذه المسيرة واعتراف بهذا الانجاز”.
عقبات في الطريق
ومضى بنا الحديث مع السي محمد الى هموم ومشاكل السائق اليومية المتنوعة، بين ساعات العمل الطويلة، ودخول المتطفلين للميدان والذين لهم مسمى رائج في الوسط يدعى: “معلم شكارة” وهو صاحب المال الذي يقدم بسيارته ويشغل شخصين عليها بظروف غير انسانية، لانه لا يهمه الا ان يربح بكثرة، ولا يهتم للصيانة والسلامة والكراج، ولا حتى بصحة السائق، فالمهم المال ثم المال مما يدفع لوقوع حوادث اكثر. كما تحدث السي محمد عن مشاكل “الكيلومتراج” حيث على السائق بلوغ عدد معين من المشاوير التي تدر على صاحبي السيارات اموال تقنعهم، فهو ومع انه افضل سائق محترف الا انه اجير لدى مشغله كعدد من السائقين ويعاني من نفس مشاكلهم ويتعرض لنفس الازمات، من ظروف العمل وتداخل المأذونيات وغياب الضمانات او الامتيازات لدى السائقين الذين لا يستفيدون من انظمة التقاعد او غيرها، ليحرموا من ابسط حقوقهم، لكون المدونة امتلأت صفحاتها بالدعائر بحيث لم تدع مجالا لينص على الحقوق.
كما اكد لنا بأن متاعب سائق الطاكسي ليست متاعب سائق الناقلات “الكار” خصوصا الشركات الكبيرة الخاصة التي توفر لسائقيها امتيازات عديدة، واهم شيء رواتب عالية.
وعندما سألناه عن مدى خطورة وقوف هذه العوائق امام السائق في سلامة شخصه وسلامة زبنائه قال: “مشاكل السائق تؤثر على الزبون بالضرورة فهما يستقلان مركبة واحدة، اذا لم ينم السائق ساعات كافية فستنقلب السيارة بالاثنين، وان لم يتحمل السائق مسؤوليته فسيتحملها الاثنين، وان لم يكن السائق خلوقا فان زبونه يتأذى منه”.
خلاصة مسيرة 45 سنة
وعن النصائح التي طلبنا من السي محمد توجيهها للسائقين مهنيين وغير مهنيين قال: “احتراموا علامات التشوير، والتزموا السرعة المحدودة، وواظبوا على مراقبة السيارة، اذا كنتم متعبين فلا تدخلوا الطريق ابدا، تحلوا بالسماحة وهدوء الاعصاب والتعقل، واتركوا متاعب الاسرة او العمل بعيدا، كما اوصيكم بالتساهل في المرور دون عناد”.
وتابع: “و اوصي السائق المحترف بان يكون اكثر تساهلا وتسامحا لانه المتضرر الاول في حال حصول حادثة، لانه سيخسر جهاز واداة عمله بخلاف الاخرين، ويعرض قوت يومه للتوقيف. لذلك على كل السائقين الشباب العمل بنصائحنا المتكررة نحن الاكبر سنا حول ضرورة ضبط النفس، والتصرف العقلاني والتحلي بالخلق واحترام الغير واهم شيء الحصول على ساعات نوم وراحة كافية. وضرورة التوقف في حال الارتياب في وجود اعطاب في السيارة”.
وتساءل السي محمد…كيف يسوق سائق محترف بارواح الناس وهو يرى دخانا ينبعث من السيارة او يشتم رائحة غريبة من المحرك او تصدر سيارته اصواتا؟ المحترف لا يفعل ذلك.
الاحلام الصغيرة …النبيلة
وعن مستقبل مهنة السي محمد سألناه ما اذا كان يحدد فترة زمنية مستقبلية سيكتفي بها، ام انه لم يفكر بالموضوع؟
فأجاب انه يسأل الله دوام الصحة والعافية وان سنوات العمل لا يحددها اختياره الخاص بقدر ما تحددها احلامه واهدافه الصغيرة المتمثلة في عول اسرته وايصال ابناءه للدرجات العلمية التي يصبون اليها.
وقال: “اجاهد لايصال ابنائي لبر الامان، أعمل دون اكتراث لعامل السن، مادمت قادرا، لاني سأظل دون قوت بدون هذا العمل، خطتي ان يتمم ابنائي دراستهم ويشتغلوا ليعولوا انفسهم واذا اراد الله فسأرتاح بعد ذلك”.
مما أحالنا على سؤال فضولي يتعلق بنظرته لمستقبل ابناءه فسألنا السي محمد عن رد فعله ازاء اختيار احد ابناءه نفس المسار؟
فقال بانه يرفض ان يعمل احدهم بالسياقة لمشاقها التي جاهد طيلة حياته كي لا يذوقوا مرها و كي لا يعلموا او يعانوا منها شيئا، لذلك اكد بانه لن يسمح بان يدخلوا معتركها نهائيا، لانه يفضل ان يتموا دراستهم.
نداء
وككلمة اخيرة وجهها السي محمد الكرم عبر موقع برلمان لسائقي المغرب جميعا قال: “اي سائق معرض للخطر، لنحترم الغير بشكل اساسي، ان اعطاء الاسبقية لبعضنا البعض وحده كفيل بتجنيبنا الاف الحوادث، وليحتفظ الناس بالهدوء اثناء السياقة فهي سلوك اخلاقي بالاساس، اثناء السفر يجب نسيان الهموم والتروي والتمتع بجمال البلاد. الطرق تقتل واكتفينا من الحوادث وعلينا التحرك بجدية بالتزام قواعد السير والتحلي بشيء من الصبر”.
وختاما قال السي محمد: “اشكركم على الالتفاتة واشكركم على نقل كلمتي للسائقين ونتمنى للجميع السلامة والحفظ”.
تبارك الله عليك والله يوفق وليداتك وترتاح ان شا الله