الجزائر تتحدى العالم بسياسة عنصرية اتجاه المهاجين الأفارقة
في الوقت الذي يعتبر فيه المغرب -وبشهادة مراقبين دوليين- إحدى الدول التي تعيش تحت ضغط كبير بسبب مشكل الهجرة غير الشرعية المتنامية، خصوصا من طرف مهاجرين دول جنوب الصحراء، والتي تتحمل جزءا منها السلطات المغربية، فيما يتحمل الجزء الباقي المجتمع المغربي، من منطلق تسامح نابع من إدراك جيد لحجم معاناة هؤلاء المهاجرين، وقفت السلطات الجزائرية في موقف المعادي لهذه الفئة التي تعاني في صمت، قبل أن تحول عداءها ومنذ ماي 2015، إلى عملية ترحيل قسري وممنهج لهؤلاء المهاجرين الأفارقة، وإجلائهم من ترابها في ظروف غير إنسانية، شملت حتى أولئك الذين يقيمون في مراكز الإستقبال، في تحد صارخ لكل الأعراف الدولية والإنسانية.
فعندما قرر المغرب صب اهتمامه لترسيخ ثقافة التسامح واستيعاب المهاجرين من جنوب الصحراء، واجهت السلطات الجزائرية نفس الملف، بتعريض 100 ألف مهاجر إفريقي لشتى أنواع الاعتداءات اللفظية والجسدية، ولكل أساليب الميز العنصري، بالإضافة إلى ما اعتادت القيام به “صحافة القمامة” الجزائرية، وعلى نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي، من تبني خطابات “الكراهية” ضد ما تصفها بـ”أقليات الأفارقة السود” والتي تكيل لها من الاتهامات ما يندى له الجبين.
ومما يكرس هذا التوجه للحكومة الجزائرية، تصريحات سابقة لأحمد أويحيى الوزير الأول الجزائري، الذي كان قد عبر مؤخرا، عن موقف معاد للمهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، خلال لقاء له يوم 08 يوليوز 2017، حين وصفهم بمصدر المخدرات والإجرام، كاشفا بان بلاده ستتخذ إجراءات صارمة ضد موجة المهاجرين غير الشرعيين، المتمثلة أساسا في الترحيل القسري والعشوائي للأفارقة وفي ظروف لا إنسانية.
في هذا الإطار أطلق حكام الجزائر وبأسلوب غير مباشر وقديم، “حملة الكره والعنصرية ضد الأجانب” تم الترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أسمتها “لا للأفارقة بالجزائر” وذلك بالتزامن مع إعلان وزير داخلية الجزائر نور الدين بدوي، بدء إعداد ملف وطني من أجل إحصاء المهاجرين الأفارقة المتواجدين بالتراب الجزائري، “للسماح” بتسوية الوضعية القانونية لبعض المهاجرين الذين يعملون في قطاعات تعرف نقصا في اليد العاملة، في حين سيتم فيه طرد البقية! قبل أن يخرج بعد ذلك بأيام عبد القادر مساهل وزير خارجية الجزائر، ليقول بفصيح اللسان أن “هؤلاء المهاجرين يشكلون تهديدا للأمن العام في البلاد”!
تصريحات واجهت انتقادات من عدد من المنظمات الحقوقية الدولية ومنها منظمة العفو الدولية، حيث وصفت “بتغذية العنصرية والتمييز ورفض المهاجرين”، كلا من أحمد أويحيى، ورئيس الهيئة الوطنية الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، الذي كان بدوره قد هاجم بقسوة الأفارقة واتهمهم “بنشر السيدا بالجزائر”.
قصة عداء السلطات الجزائرية للمهاجرين الأفارقة، بدأت بالفعل بسياسة ممنهجة هجفت في البداية إلى تحميل المهاجرين الأفارقة مسؤولية مزاولة أنشطة إجرامية تهدد الأمن الوطني، قبل أن يعطى الضوء الأخضر لمختلف الأجهزة الأمنية، من أجل شن حملة اعتقالات بمختلف المدن خصوصا تلك المتواجدة على الحدود، بحيث يتم تجميعهم نواحي العاصمة الجزائر، ليتم نقلهم على متن شاحنات وحافلات إما صوب حدود الجزائر مع مالي، أو نحو الحدود مع المغرب.
هذا الأسلوب البالي والعنصري في تعامل سلطات الجزائر مع فئة المهاجرين الأفارقة، ظهرت جليا مؤخرا من خلال نقل 200 مهاجر أفريقي من مدينة مغنية ليلة 22 شتنبر 2017، على متن حافلتين صوب القرية الحدودية “شايب راسو” بولاية تلمسان، بمنطقة غابوية تبعد بعشرات الكيلومترات عن الحدود المغربية، وبالضبط عن الجماعة القروية لعثامنة بإقليم بركان، وهو ما جعل الحل الوحيد لهؤلاء المهاجرين هو الدخول بطريقة سرية إلى المملكة.
ومما كشفته سياسة سلطات الجزائر في هذا الملف، أن الجزائر تعمد وبشكل مقصود، إلى انتقاء المهاجرين المرحلين قسرا صوب المغرب من كل الدول الحليفة للمملكة، بأسلوب يشبه محاولة الجزائر زرع الشقاق مع حلفائها الأفارقة الذي بات تتسع دائرتهم بشكل مقلقل للجزائر منذ عودة المغرب لأسرته الإفريقية.
في سياق هذا الأسلوب الجزائري الذي عفا عنه الزمن، اندلعت مؤخرا فوضى احتجاجات عارمة ضد سلطات الجزائر من طرف مهنيي قطاع النقل، بعدما أصدرت مديرية النقل بولاية مستغانم يوم 27 شتنبر 2017، هددتهم فيها بسحب رخصهم إذا رفضوا نقل المهاجرين غير الشرعيين اتجاه الحدود المغربية، وهو القرار الذي تم إلغاؤه في ظرف 24 ساعة بعد صدوره، بسبب ضغوط مارسها فاعلون بالمجتمع المدني الجزائري.
وعلى الرغم من أن الحملة الشرسة التي تقودها الجزائر لتقوية مستويات الكره اتجاه الأجانب التي تقودها السلطات الجزائرية ضد المهاجرين من جنوب الصحراء، تجدر الإشارة أن هناك غياب تام للمنظمات الأجنبية، خصوصا الأفريقية منها، ويمكن تفسير ذلك إلى قوة السلطات الجزائرية، التي تتحكم وتترأس حملات الإعلام الدبلوماسية، مما يخفف من حدة هذه المعاملات اللاإنسانية ضد المهاجرين الأفارقة أمام المنظمات الدولية لحقوق الإنسان.
إن المغرب، الذي عاد إلى الاتحاد الأفريقي بعد غياب طويل والذي استغلته الجارة الجزائر، سيكسب منه الكثير من خلال استخدام التعصب الجزائري وسياسة الازدراء التي تمارسها على المهاجرين الأفارقة المستضعفين المجردين من الوثائق والمضطهدين والمتروكين دون مواد غذائية في الحدود الصحراوية، ومن أجل فضح حقائق نظام ينعدم للإنسانية لطبقة سياسية، بل أيضا لفضح مجتمع يرفض الآخر.
في هذا السياق، ذكرت تقارير أجنبية شهادات المهاجرين من أصول مالية، تم اعتقالهم في الجزائر يوم 22 شتنبر 2017، من طرف عناصر الدرك الجزائري، حيث تم جمعهم في مخيم زيرالدا، نواحي غرب العاصمة الجزائر، مع مئات الآخرين من المهاجرين، لا سيما النيجيريين، ليتم نقلهم على متن حافلة إلى جنوب البلاد، حيث تم حجزهم داخل بنايات تم تشيدها حديثا بتامنراست، التي تبعد ب 2000 كيلومتر جنوب العاصمة، مدة أيام قبل أن يتم نقلهم إلى الجانب الآخر من الحدود.
وحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية، فإن مواطن مالي يعمل في النقل بين شمال مالي وشمال النيجر وجنوب الجزائر، أكد للصحيفة بأنه رأى شاحنة قطر كبيرة من طراز “Man” تابعة للجيش الجزائري بالقرب من “أسامكا”، شمال النيجر. والتي كانت تُقل مهاجرين أفارقة محاصرين من طرف عناصر الجيش الجزائري، وأكد المهاجرون الذين تم اعتقالهم بالجزائر، بأنه تم إطلاق سراحهم في الصحراء، ليتمكنوا من الوصول في نهاية المطاف إلى “أكديز” بالنيجر.