أزمة تسريبات الضمان الاجتماعي كشفت عن وجود هشاشة فكرية أخطر من الأمن الرقمي..

لم تكن التسريبات المتعلقة بمعطيات وزارة التشغيل ومؤسسة الضمان الاجتماعي مجرد خرق محتمل للأمن السيبراني، بل كانت كاشفة لما هو أعمق وأخطر، وهو هشاشة فكرية تنخر بعض العقول التي نصّبت نفسها حَكماً خبيراً في الأمن الرقمي، وهي أبعد ما تكون عن فهم أبجديات هذا المجال.
إن بعض ممن خرجوا ليحاكموا هذه الوزارة أو تلك، أو هذه الهيأة أو تلك، بعيدون كل البعد عن معرفة الحقيقة، ما داموا يتخبطون في توجيه الاتهامات، كل حسب الرواسب الموجودة في مشاعره، أو حسب نوعية الحسابات التي تربطه بالجهات التي يسعى الانتقام منها.
والمعلومات التي جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي حول هذه التسريبات كانت في غالبيتها خاطئة وغير مسنودة، وتضمنت اتهامات عبثية وجهت لجهات إدارية أو حكومية لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بما وقع.
ولعل الأخطر من التسريب ذاته، هو حالة الجهل العام التي طفت إلى السطح، حيث بدا واضحاً أن المروجين لهذه الروايات لا يفرقون بين أسماء الوزارات، ولا يعرفون اختصاصات المؤسسات، بل بلغ الأمر بالبعض إلى تحميل المسؤولية لمؤسسات دورها ينحصر في تطوير المجال الرقمي أو التواصلي أو التنظيمي، متجاهلين أن هذا المجال معقد، وتتشابك فيه اختصاصات متعددة.
ومن المفارقات التي تفضح هذا التهافت، أن مثل هذه التسريبات تحدث حتى في أكبر الدول المتقدمة تكنولوجياً، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا والمملكة المتحدة، غير أن التعامل معها يكون بعقلانية ومسؤولية، لا بخفة الاتهام وغياب البوصلة.
فالجهة التي يفترض أن توجَّه إليها أصابع الاتهام، بكل وضوح، هي الشركة أو الكيان الذي كُلّف بالسهر على الجانب التقني لسلامة المعطيات، وهي الشركة التي تتعهد في دفتر التحملات بضمان أمن وسلامة معطيات المؤسسات الحكومية في المغرب. وهنا يأتي دور رئيس الحكومة، الذي أصبح مطالباً بفتح تحقيق شفاف وواضح، يُعلن عن نتائجه للرأي العام، مع ترتيب المسؤوليات ومعاقبة كل من سرب المعطيات أو فرّط في حماية أمنها.
ومن جهة أخرى، لا يمكن فصل هذه الفضيحة عن ما يجري داخل بعض القطاعات الوزارية، وعلى رأسها وزارة الادماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، التي تعيش على صفيح ساخن من الخلافات والصراعات، الأمر الذي يستوجب من رئيس الحكومة التدخل لضبط الأمور، وتطويق بؤر الفوضى الإدارية قبل أن تستفحل أكثر.