وينجح الماكر تبون أخيرا في نقل مشاعر العداء إلى الشعبين المغربي والجزائري وتأجيج الكراهية بينهما
خمس سنوات وعبد المجيد تبون يبحث مع الحاكم الفعلي للجزائر، سعيد شنقريحة، عن سبل إخماد وهج الارتباط بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، وتغذية مشاعر الكراهية والعداء بينهما. خمس سنوات من التطاول على البلد الجار ورموزه بسيل من الأكاذيب والمغالطات، القائمة على مزبلة من الملوثات والقاذورات، التي يتلفظ بها في خرجات إعلامية متلاحقة، بغاية خلط الأوراق، وشحن أفراد الشعب الجزائري على أشقائهم المغاربة، من خلال تزويدهم كل مرة بأقراص حاقدة على جارهم المغرب.
خمس سنوات من الشحن الممنهج الهادف إلى نقل مشاعر الغل والعداء، من هرم السلطة الحاقدة على المغرب ورموزه، إلى شرائح واسعة من محدودي المعرفة والثقافة من أفراد الشعب الجزائري، ممن يصعب عليهم، تحت تأثير التويم الممنهج، فهْم الدوافع الحقيقية لحكامهم، والمسارات الكيدية المسيئة لأشقائهم المغاربة.
خمس سنوات من المؤامرات البغيضة، الناطقة بسلوك زنديق عديم الأخلاق، وبعيد كل البعد عن قواسم اللغة والدين، انتهت بحملة انتخابية قبل الأوان، دشن لها الحاقد تبون بتخويف الجزائريين من “الغزو الوشيك الذي يُجهّز له الغول المغربي، ومعه إسرائيل لابتلاعهم”. هكذا انحطت السفالة إلى ما دون الحضيض الأخلاقي الجاثم على منظومة القيم الإنسانية، لتهتدي إلى هكذا تنبؤات شيطانية تنذر بعدوان وشيك يشنه المغرب ومعه إسرائيل على الجزائر. والمغرب من كل هذا لم يترك فرصة إلا وعاد لنهج اليد الممدودة، من أجل بناء جسور الثقة بين البلدين، مراعاة، من جهة، لحسن الجوار، وتأكيدا، من جهة ثانية، على أن أقطار المغرب العربي لها من التاريخ المشرك، والاقتصاد التكاملي، ما يمنحها الفرصة لدعم مصادر نهضتها الاقتصادية، وتحقيق الإقلاع التنموي لشعوبها.
واليوم، بعد أن شرخ أسطوانة “الشعب الصحراوي” التي انقلبت عليه، لم يجد لص الجزائر الذي سرق السلطة في انتخابات لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 28%، من خيار لزرع بذور الشقاق بين الشعبين المغربي والجزائري، سوى اللجوء إلى الميدان الكروي ضمن دبلوماسية رياضية حاقدة، أعطت ثمارها المباشرة في تغذية مشاعر العداء والكراهية التي تصاعدت في الشهور الأخيرة بين الشعبين، بشكل يدعو إلى الأسف والحسرة.
فبعد أن استنزف من سبقوه من رؤساء، مئات المليارات من الدولارات طيلة نصف قرن من النصب والتخاريف على الشعب الجزائري، جاء تبون لينقض في آخر ولايته الأولى على كرة القدم، كمطية مربحة لإحداث الشرخ اللازم، بين شعبين تجمعهما قواسم اللغة والدين والمصير المشترك. فهاتيك من تلاسن وتراشق عدائي من الجهتين، وهاتيك من قاذورات إعلامية أصبحت السمة الغالبة في الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي الجزائري، وكأن كرة القدم، لما توفره من حياة كاملة للشعب الجزائري، هي بالنسبة للدعاية الجزائرية، عنوان لشرف الدولة ورمز لهيبتها وعظمتها.
ولآن المغرب انتصر عليها في كل فصول اللعبة، فكأنه مارس نوعا من الإذلال لشرفها ومن الاغتصاب لسيادتها. فوسام شرف منا جميعا، إذن، للسيد تبون بعد أن نجح في مهمة الشقاق والنفاق، وفي الضحك على الشعب الجزائري الشقيق الذي سيحين الوقت، لا محالة، للانقلاب عليه بعد أن يتخلص من فعل التخدير الممارس عليه طوال عقود.
العقيدة الكيدية التي سكنت الطغمة الحاكمة في الجزائر، ترجمها رئيسها بوضوح في الكلمة العدائية المُخزية التي ألقاها مؤخرا بمقر وزارة الدفاع الجزائرية، متباهيا فيها بجاهزية جيوشه لردع التهديد القادم من المغرب، ومكررا أسطوانته المشروخة القائلة ب”عدم التخلي مهما كان، عن مرتزقة البوليساريو وعن حقهم في تقرير المصير”.
عن أي تقرير المصير يتحدث الماكر تبون؟ عن ذلك الذي ربطه ميثاق مجتمع الأمم (الأمم المتحدة حاليا) بتخليص الدول المستضعفة من قبضة الإمبراطوريات الاستعمارية؟ أم عن ذلك الذي تُقره المعاهدة الدولية للحقوق المدنية لسنة 1966، وتنص بالحرف على “حق كل شعب في حكم نفسه بنفسه، بعيدا عن أي تدخل أجنبي”. بمعنى اختيار السكان شكل السلطة، الذين يريدون ممارستها داخل البلد الواحد بمنأى عن أي تدخل أجنبي. وهو ما يتماشى مع روح ونص مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب من أجل تسوية سياسية تحترم الشرعية الدولية، وتُجنب المنطقة مزيدا من النزاعات والتوترات.
حق تقرير المصير تحوّل اليوم في عهد الزندقة السياسية الساقطة، عن مجراه الحقوقي بعد أن بادرت دول من إفريقيا وآسيا، إلى خلق كيانات انفصالية وهمية من أجل ابتلاعها فيما بعد، من خلال “ميثاق الوحدة” بين الانفصاليين والدولة الحاضنة. ومعنى ذلك بالنسبة لقضيتنا الوطنية، أن مدنا مثل العيون والسمارة والداخلة، ستصبح ببساطة بسيطة، مدنا جزائرية. ومعناه أيضا، أن الجزائر افتعلت نزاعا وهميا، بغاية الحصول على منفذ على المحيط الأطلسي، لتصدير غازها ونفطها ومواردها المختلفة.
دافع آخر يجعل المتآمر تبون ومن معه، يلهثون وراء تقرير المصير لإيذاء المغرب وزعزعة استقراره. إنه الغبن التاريخي لانعدام دولة “جزائرية” لأزيد من خمسة قرون، ولكون الجنرال ديغول هو من خلقها. وإلا كيف يطالب حكام الجزائر بتقرير المصير، لمواطنين مغاربة يعيشون مرغمين وفي ظروف مزرية وغير إنسانية، في مخيمات تندوف المكوّنة من مزيج من الأقوام، موريطانيين، ماليين، صحراويين، جزائريين، نيجيريين..، لا تتجاوز نسبة الصحراويين المغاربة فيهم، بضعة آلاف الأشخاص. فيما عدد القبايل، سكان المناطق الشرقية بالجزائر، وعاصمتها تيزي وزو، يتجاوز الثمانية ملايين نسمة، ويُحرمون من تقرير المصير الذي تتاجر فيه الجزائر بشكل مزاجي وفق ما يتماشى مع أطماعها. ثم لماذا الجزائر وحدها من بين دول المعمور من ترافع ضد المغرب في كل الملتقيات والمؤتمرات الإقليمية والدولية، وداخل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة؟ وهل يصدق عاقل أن إيواء البوليساريو وتسليحه، وتمويله، وتخصيص أغلفة مالية سنوية بمئات الملايين من الدولارات للبروبغندا التضليلية التي يتزعمها الرئيس تبون نفسه.
كل ذلك من أجل وهْم الدفاع عن قضايا الشعوب. وهل يمكن لعقل سديد أن يستوعب دفاع حكام الجزائر عن حق تقرير مصير من يسمونه ب”الشعب الصحراوي”، وتحاملهم بشكل هستيري على مندوب المغرب في الأمم المتحدة، لمجرد إثارته هذا الحق لسكان منطقة القبائل. إنها إحالة انفصام مرَضية يعيشها النظام الجزائري، الجاثم على السلطة منذ نصف قرن، فيما المغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها.