الأخبارركن الميداويمستجدات

وتأتي السكتة القلبية لفرنسا على يد المهاجرين..

الخط :
إستمع للمقال

مظاهر تحقير وكراهية المهاجرين من كل الأجناس استفحلت في السنوات الأخيرة بفرنسا كواقع يجسد أبشع نماذج الإهانة التي أصابت أناسا جاءوا حاملين أفكارا وتطلعات لخدمتها، بل منهم من مات أجداده من أجل أن تحيى فرنسا حرة كريمة. ويأتي الإعلام الفرنسي بمختلف قنواته واتجاهاته ليجعل من المهاجرين مادة خصبة ورصيدا يتغذى منه ليكرس هذا الواقع تحت نفوذ يميني متطرف يعمل على تخويف الفرنسيين منهم.

وردا على الاستفزازات العنصرية المتكررة لليمين المتطرف والقائلة بالعودة بالهجرة إلى الصفر، وتشبيه المهاجرين بالغزاة، قررت جمعية “أصدقاء المهاجرين” بتنسيق مع “رابطة مناهضة العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب”، تشكيل قوة فاعلة ومؤثرة لانتزاع الاعتراف اسميا بالمكونات الاقتصادية والاجتماعية للمهاجرين، فحددت يومي رابع وخامس مارس القادم لانطلاق ثورة سلمية تُستبدل فيها الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات بتوقف كامل عن العمل يلتزم به المهاجرون لمدة 48 ساعة بكافة القطاعات والمؤسسات العمومية وأيضا بالمرافق الخاصة من مؤسسات مصرفية وبريدية ومتاجر ومطاعم وغيرها..
48 ساعة بدون مهاجرين لإظهار القيمة الحقيقية لهؤلاء في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية الفرنسية حيث المهجرون لا يحملون مجرد أمتعة وحقائب أسفار، كما يعتقد اليمين المتطرف، وإنما يحملون أيضا أفكارا وتطلعات حتى وإن كانوا في معظمهم يشكلون كتلة كبيرة من العمال في المصانع والمزارع والمناجم والأوراش الطرقية والأنفاق وغيرها.. 48 ساعة توقف كامل عن أي نشاط اجتماعي أو اقتصادي للتعبير عن رفضهم للإهانات الصادرة في حقهم من طرف اليمين العنصري المتطرف وجهات أخرى تمارس في صمت ما يمكن تسميته بالعنصرية الهادئة أو المقنعة.

وعلى الرغم من إدراكها بصعوبة التقاء الأسيويين والأفارقة والعرب وغيرهم، حول هذين اليومين، فإن الجهات المنظمة متفائلة بنجاحهما، وتصر من خلال هذه المبادرة على تمكين شريحة واسعة من المغتربين من أن يستمتعوا بيومين كاملين خارج الزمن الاجتماعي والاقتصادي الفرنسي، بعد أن فرض عليهم الزمن السياسي عزلة تمييزية صارخة.

وقد سبق المشرفون على هذا “المشروع الثوري الهادئ” الزمن بتخيُّلهم انعكاساته الكارثية على واقع الحياة بفرنسا بما في ذلك أوراش البناء والتطهير وصرف المياه والنظافة والرواج الاقتصادي، ومدى قدرة الفرنسيين على توفير، ومن دون الاستعانة بالمهاجرين، فضاء اجتماعي بمواصفات ثلاثية الأهداف: النظافة، العمل والرواج الاقتصادي..

المشهد سيصيب بالذهول ليس اليمين المتطرف وحده فقط بل كل الفرنسيين الذين سيقفون على مصانع فارغة من نصف عمالها.. مناجم وأنفاق متوقفة في انتظار عودة “أهاليها المهاجرين” لأن الفرنسيين يفرون منها ويتركون للمهاجر وحده مواجهة مخاطر الاختناق والموت المباغت تحت سطح الأرض.. أوراش البناء وأشغال التطهير وصرف المياه مشلولة في غياب أناس يشكلون الغالبية العظمى من الراضين على العمل بها.. تكدُّس غير مسبوق للقمامات والأزبال المنزلية بسبب رفض أهل البلد الاشتغال في قطاع يعتبرونه جديرا بالأفارقة.. متاجر وأسواق مهجورة.. مقاهي ومطاعم متوقفة لعدم وجود زبناء عرب أسخياء، وغياب غاسلي الأواني من المغاربيين على الخصوص.. مستشفيات متعثرة قاطعتها عاملات النظافة الآسيويات والإفريقيات.. غلّة فاسدة لغياب المهاجرين لحملها ونقلها للبواخر العملاقة الراسية بالموانئ المعطلة هي الأخرى.. عجزة في حيرة من أمرهم لغياب من يعتني بهم من المهاجرات المغربيات العاملات بالبيوت..

هكذا يتخيل المنظمون الوقفة التضامنية لمدة 48 ساعة: شلل تام في الجسد الاقتصادي الفرنسي وخاصة في القطاعات المرتبطة بالخدمات الاجتماعية الحيوية. أما إصرارهم على تنظيم مثل هذين اليومين، فيأتي أيضا لإثارة الانتباه إلى أن المهاجرين ليسوا فقط عمالا ومستخدمين، فمنهم الأطباء والمهندسون والصحفيون والجامعيون والمستثمرون والرياضيون، ولم لا النواب البرلمانيون والوزراء الذين يشكلون أزيد من الربع في التشكيلة الحكومية الحالية.

وبقدر إصرارها على إنجاح هذين اليومين، تخشى جمعية “أصدقاء المهاجرين” صاحبة مبادرة “48 ساعة من دون مهاجرين”، من عدم نجاعة المشروع بسبب التباين في مواقف الجمعيات المؤطرة للمهاجرين بين مؤيدة ترى في مثل هذه “الثورة” مناسبة لحمل الخطاب النوعي النافذ في الأوساط الفرنسية، ومحو الصورة النمطية المغلوطة التي يرسمها البعض عن المهاجرين، وأخرى غير مقتنعة بقدرة هذه التظاهرة على زعزعة قناعات العنصريين، وترى أن الحملات العنصرية التي تجتاح فرنسا بين الفينة والأخرى، مردها إلى برامج أحزاب سياسية يمينية تعرف جيدا قيمة المهاجرين ودورهم داخل المجتمع وتحاول اللعب على مشاكلهم وعلى اختلاف ثقافاتهم لتخويف الفرنسيين منهم.
ويمكن التأكيد في سياق هذا التباين، على أن الإهانة والتمييز اللذين يتعرض لهما المهاجرون بشكل عام، يقع جزء كبير منه على عاتق المغتربين أنفسهم فيما أصبح عليه وضعهم، خاصة مع ما يتوفر لهم من فرص في المجتمع للدفاع عن حقوقهم ضد ثقافة التهميش، ضمن مرجعية سياسية مشتركة تسمح بالتلاقي حول أهداف وتطلعات محددة وموحدة.

وتكمن المشكلة أيضا في ارتباط المهاجرين الأفارقة والعرب والآسيويين بأكثر من ستين بلدا، مع كل ما يحمل هذا الانتماء من تعارض وتقاطع بين اهتمامات هذه الدول وطبيعة السلطة فيها. وهو ما يعيق القدرة على تشكيل مجموعة مؤثرة في صناعة القرار، وفي الدفاع عن حقوق المهاجرين ضد الهجمات المختلفة التي تستهدفهم. ومع تعدد مشارب الهجرة وانتماءاتها السياسية وغنى تكوينها الاجتماعي، ما زالت منقسمة بين من يتبنى مرجعية دينية وآخر وطنية إلى ثالث يحاول حصر انتمائه بالحدود الجغرافية لبلده الأصل فقط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى