الأخبارركن الميداويمستجدات

هل يعلم الأشقاء الجزائريون أن الشيطان حينما فشل في زرع بذور العداوة بيننا، أرسل عبد المجيد تبون

الخط :
إستمع للمقال

من باب تحصيل الحاصل أن قرر الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثانية، بإيعاز من المؤسسة العسكرية، وعمره يقارب الثمانين سنة، فيما وضعه الصحي يثير الكثير من المخاوف بسبب معاناته من وهن متزايد، ومن حالات إغماء منتظمة نتيجة مضاعفات إصابته بفيروس كورونا.

والمثير في التطورات الصحية للرئيس تبون، الطريقة التي يتعامل بها الإعلام الرسمي الذي يفضل أن تبقى المعلومة الصحيحة محصورة في دائرة مغلقة من مقربيه، وهو ما يجعل الساحة الجزائرية عرضة للشائعات والارتباك بشأن وضعه الصحي المتفاوت، بحسب آخر المعلومات، بين وضع “مستقر” إلى وضع “حرج”.

ولأنه يعتبر مرض تبون قضية تهم أمن الدولة، فإن قصر الرئاسة يحيطه بكثير من الكتمان مفضلا الإشاعة على الشفافية، حتى وإن كان مرضه يؤثر سلبا على سير أجهزة الدولة المصابة بشيء من الوهن، لأنها، بحسب ما أفضى لي به عميد الصحفيين الجزائريين، الكاتب والإعلامي الكبير، محمد بنشيكو، “لا تقوى إلا بقوة الرئيس، ولأن كل خيوط الحكم بيده وبيد العسكر، عوض أن تكون موزعة بين عدة دوائر ومستويات حتى لا تتعطل الآلة بكاملها، بمجرد توقف قطعة واحدة”.

ما من بأسس، فالشعب الجزائري تعوّد على إحاطة رؤسائه المرضى بسيل جارف من التعاضد والتآزر، كما كان حال الرئيس بوتفليقة، الذي ظل، رحمة الله عليه، متمسكا بالسلطة على كرسي متحرك، حتى آخر أيام حياته. ومن هنا، فإن الحالة الصحية للرئيس تبون ليست عامل سوء، كما قد يتبادر إلى الدهن، فكلما تدهورت، شافاه الله، وكلما زاد في الثمانينات، أطال الله عمره، كلما تقوّت فرصه في الفوز بولاية ثانية، حتى وإن كان ذلك على حساب المصلحة العامة لوطنه ولمواطنيه.

والملفت أن الرئيس تبون ارتأى بالرغم من تقدمه في السن، أن يدشن لترشحه الرئاسي، بكذبة مدوية مفادها أنه أقدم على هذه الخطوة، نزولا عند رغبة الشباب. عن أية رغبة يتحدث، وأين ومتى وكيف طلب منه الشباب أن يترشح؟ وعن أي شباب قرر الرئيس تبون النزول عند رغبتهم؟ هل الشباب الذين حوّلهم إلى هيكل ميت سياسيا، مُنحلّ اجتماعيا؟ أم الشباب الذي قتل فيهم، تحت ذريعة الهاجس الأمني، الإرادة في التفكير والإبداع؟ أم الشباب الذين لم يعودوا بعد أن نضج ضميرهم السياسي، يقبلون منه الهبات والعلاوات بملايين الدولارات، التي يغدقها على بعض القادة الأفارقة المرتشين، بصورة منتظمة من خزينة الدولة الجزائرية، مقابل اعترافهم بالوهم الصحراوي، فيما البطالة في تزايد مستمر، والقدرة الشرائية آخذة في تأجيج الغضب الاجتماعي؟
ولأن ترشحه لولاية ثانية يتزامن مع دعم أكثر من مئة دولة لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي، كما يأتي بعد أن تبنى مجلس الأمن المقترح المغربي كخيار وحيد لموضوع الصحراء، وبعد أن اختارت الكثير من الدول، إما فتح قنصليتها، في الاقاليم الجنوبية أو التوجه نحو مشاريع استثمارية ضخمة بالمنطقة، وبعد الصيحات والنداءات المتكررة القادمة من قلب مخيمات تندوف والداعية إلى تحرير ساكنتها المحتجزين كرهائن لدى الجزائر. بعد كل هذا، لم يفوت الصديق تبون الفرصة لإقحام المغرب، في اللقاء الصحفي الذي عقده بالمناسبة، كعدُو يُجهز لابتلاع الجزائر، متفاخرا من جديد ب”جيوش بلاده التي لا تقهر، وجاهزيتها لردع الطامعين”.
إقحام المغرب أثناء حفل الترشح لولاية جديدة، بعد تلقي الضوء الأخضر من المؤسسة العسكرية، هو شهادة اعتراف وإقرار صريحين بالعزلة الدولية التي دخل فيها النظام الجزائري على كافة المستويات، ولم يبق له سوى الارتماء في أحضان المعسكر الإيراني، الذي هو بصدد تحويل تندوف إلى هيئة أركان للحرس الثوري الإيراني، تعمل بتنسيق مع العسكر الجزائري.
ولم يفت الرئيس تبون الذي جعل من الكذب عقيدة ارتكازية في الحكم، حتى وهو في الثمانين من عمره، أن نبّه في إحدى الكلمات الانتخابية السابقة لأوانها، إلى الخطر القادم من المغرب، بل اهتدى إلى توجه بغيض يقوم على عملية شحن ممنهج لشريحة واسعة من أفراد الشعب الجزائري، من خلال تخويفهم من الغزو الوشيك الذي سيشنه المغرب ومعه إسرائيل على الجزائر.
مثل هذا الانحدار الخُلُقي القائم على تزوير الوعي بأقراص مسمومة على غرار “صوتك مقابل إنقاذك من غزو وشيك قادم من المغرب وإسرائيل”، لم يهتد له إبليس لعنه الله، في مسعاه الخبيث لزرع بذور العداوة والشقاق بيننا، فأرسل عبد المجيد تبون، في مهمة تخويف الجزائريين من الاكتساح المغربي الإسرائيلي الوشيك. وكانت النتيجة أن نجح بشكل كبير في المهمة الشيطانية القاضية بإخماد وهج الارتباط بين الشعبين المغربي والجزائري، ضمن توجه زنديق عديم الأخلاق، وبعيد كل البعد عن ثوابت الجوار وقواسم اللغة والدين والمصير المشترك. فهاتيك من تلاسن وتراشق بين الشعبين على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى المواقع الإعلامية المختلفة.
لم يكن إبليس ليهتدي إلى هكذا تنبؤات كهنوتية قائلة بعدوان وشيك يُجهز له المغرب بمعية إسرائيل على الجزائر، فترك العقيدة الكيدية التي سكنت وجدان الماكر تبون تفعل فعلها، تجسيدا للغبن التاريخي الذي يؤرقه لانعدام دولة “جزائرية” لأزيد من خمسة قرون.

مثل هذه العبقرية الشيطانية التي باضت العدوان الوشيك على الجزائر، هي نفسها التي باضت تقرير المصير لمواطنين مغاربة يعيشون مرغمين وفي ظروف مزرية وغير إنسانية، في مخيمات مكوّنة من خليط من الأقوام، موريطانيين، ماليين، صحراويين، جزائريين، نيجيريين، لا تتجاوز نسبة الصحراويين المغاربة فيهم، بضعة آلاف الأشخاص. فيما عدد القبايل، سكان المناطق الشرقية بالجزائر، وعاصمتها تيزي وزو، يتجاوز الثمانية ملايين نسمة، لا زالوا يرزحون تحت قبضة الاستعمار الجزائري البغيض.

والمغرب الذي تعوّد كل مرة، على زندقة سياسية جديدة يحيطها الماكر تبون بسياج من المغالطات، الملفوفة بمزبلة من القاذورات الكلامية، بغاية خلط الأوراق وشحن أفراد الشعب الجزائري على أشقائهم المغاربة، سائر في سياسته التنموية بالأقاليم الجنوبية، ضمن مشاريع استراتيجية كبرى مثل ميناء الداخلة، ومشروع ربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي، والطرق السيارة وغيرها من المشاريع الضامنة لإقلاع تنموي كبير، لفائدة الساكنة الصحراوية التي تسهر اليوم على تدبير شؤونها بنفسها، ضمن معادلة تغضب كثيرا الصديق تبون، ويرددها الصحراويون في كل مناسبة :” المغرب في صحرائه والجزائر في كيدها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى