جاء بلاغ وزارة العدل والحريات أمس بخصوص قضية المستشار بمحكمة النقض وموظفين اثنين المتهمين بتلقي الرشوة، ليوضح وينفي كل الادعاءات والمزايدات التي حامت حولها، بين من اعتبره مجرد “تلفيق التهمة” من طرف جهات معينة للمتهمين، أو حتى من ذهب إلى “إمكانية طي الملف” وإخراج المتلبسين بالارتشاء من القضية وكأن شيئا لم يقع، بدوافع تحمل طابعا قبليا في الغالب.
بلاغ الوزارة الذي كان متوقعا بالنظر للمسؤولية الملقاة على عاتقها، كونها الجهة الضامنة لنزاهة المؤسسة القضائية، حتى لا تكون مرتعا لكل من أراد الخوض في المحظورات وبناء المجد من المال المشبوه، حيث اعتبرت أن “الجهات القضائية المعنية، بما لها من استقلال تام في ممارسة مهامها، تبقى وحدها المختصة في البت في نازلة اتهام مستشار بمحكمة النقض وموظفين اثنين بالرشوة، وفق الضوابط القانونية المقررة، بما فيها تمتيع المعنيين بكافة ضمانات المحاكمة العادلة”.
وهو ما كان خير جواب على بعض ممن ظهروا في أشرطة مصورة وكأنهم “فوق القانون في دولة الحق والقانون” بدوافع قبلية جرتهم للقول بأنهم لا يعترفون لا بمؤسسات ولا بغيرها، وأنهم “يطلبون دون قيد أو شرط” طوي ملف “المتهمين بالارتشاء”، بأسلوب يشبه التهديد للدولة ومؤسساتها، وبمنطق يبتعد عن إعمال العقل ويوغل في الانتصار للدعوات القبلية التي عفا عنها الزمن.
فإذا كانت وزارة العدل والحريات التي تعتبر المراقب الذي تحدده السلطة التنفيذية لكل ما تقوم به السلطة القضائية في البلاد، قد قررت الابتعاد عن كل شبهة تقول بأنها كانت تنوي طوي ملف القاضي ماء العينين بسبب قربه من حزب وزير العدل، فكيف يحق إذن لمن يوليهم المغرب الاحترام والتقدير ممن هم من أبناء المجتمع الصحراوي، أن يهدد بهكذا ألفاظ، مؤسسات الدولة بمنطق الانتصار للقبيلة، دون أن يكلف نفسه عناء انتظار التحقيق واتباع مساطر المحاكمة العادلة، خصوصا وأن أصعب شيء على نظام سياسي كيفما كان، أن تمس سمعة قضائه، ولو بإشارة بسيطة بالفساد، ناهيك عن التعاطف العائلي أو القبلي مع الشخصية المتهمة.
يبدو أننا اليوم بحاجة لمعالجة ما بقي عالقا في دواخلنا من دعاوى الانتصار للمصالح الخاصة، كانت قبلية أو حزبية أو سياسية أو غيرها، بخصوص التعامل مع مثل هذه القضايا، في طريق تحقيق العدل بين الجميع ودون استثناء، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالشوائب التي تهدد الجسم القضائي، السلطة الأعلى فوق كل شيء، والتي يعتبر فيها المغرب رائدا في تنظيمها كمهنة وتطبيقها كمعيار للمساواة في الحقوق والواجبات.