الأخبارركن الميداوي

هكذا تدحرجت كذبة “شهداء الجزائر” من مليون إلى 5 ملايين شهيد كما أحصاها سلطان الكذب عبد المجيد تبون

الخط :
إستمع للمقال

المعروف عن الكذب السياسي أنه يبدأ محتشما لقياس حرارة المتلقي، ثم يتفاقم ويتدحرج مثل الكرة الثلجية، ليصبح أكثر تأثيرا وخطورة، بما يتماشى مع المقولة الشهيرة لجوزيف جوبلس، وزير الدعاية النازية في عهد هتلر: “كُلما كبُرت الكذبة كان تصديقها أسهل”.

أحالتني المقولة على الكثير من المحطات التي يظهر فيها السياسي الكذّاب مدافعا بكثير من الإيمان واليقين على قناعة يعتبرها “راسخة”، ومُنقلبا بنفس القوة والإيمان على نفس القناعة “الراسخة”، في عملية انحطاط أخلاقي، تجعله ينقلب من الضد إلى الضد، وفق ما تستدعيه مصلحته السياسية.

والكذابون السياسيون أنواع: فهناك الكذاب المصاب بعمى السلطة وجاذبية المناصب، والكذاب المتعطش لوضع اعتباري ينقصه، والكذّاب المتسول لأصوات من أجل مقعد في البرلمان أو في المجالس التمثيلية المختلفة، فتراه يكذب، في تسول انتخابي مثير للشفقة، على الأوضاع المزرية للأطفال المشردين الضائعين، ويكذب على حقوق العمال المهضومة، ويُشيد كاذبا بمكانة المرأة كشريكة مؤثرة وفاعلة في الحياة، فيما مُنافسه يتساءل في كذبة انتخابية بئيسة: “هل يحق تكريس صورة المرأة الجسد، عوض المرأة الابتكار والتخيل والإدراك والمسئولية؟
جميع هؤلاء الكذابون تسكنهم قناعة مطلقة، بأن مهنة السياسة هي فقط مهنة للخداع والتضليل والمغالطة. جميعهم يحاولون إضفاء نوع من الشرعية على كذبهم، بغاية تقوية فرص الاستقطاب المُؤهِّلة لمزيد من المناصب والمكاسب والمقالب.

أكاذيب هؤلاء وإن كانت مرتبطة بالمصالح والمنافع الشخصية، هي أقل ضررا بكثير، من أكاذيب كبار الساسة، من رؤساء وحكام يعتبرون القيم الأخلاقية ضربا من الوهم، ويؤسسون للمارسة السياسية على قاعدة المكر، والخداع، وتزوير الوعي، وكل الأساليب المندرجة تحت مسمى التضليل الإعلامي، بما في ذلك التعتيم، والتضخيم والترهيب، وإثارة الخوف. ويظل دافعهم الأساسي هو التنويم الممنهج، وإحداث التأثير المنشود بطرق قصدية، مدروسة ومبرمجة.

ويحضرني، في سياق هذه الممارسات السياسية القذرة، ما يظهر جليا في كلام الرئيس الجار الحاقد، عبد المجيد تبون، من تضليل ومغالطات، ضمن مورد لا ينضب من الأكاذيب التي تنهل في معظمها، من قاموس شوفيني ناطق بخبث باطن، ظل يسكنه منذ أن سرق السلطة في انتخابات مغشوشة، بلغت نسبة المشاركة فيها 29%.
أكاذيب عبد المجيد تبون، وما أكثرها، تبدأ بالتباهي والتفاخر، وتنتهي بالتخويف والترهيب، مرورا بالتضخيم والتعتيم وإثارة الشكوك والمخاوف، وكل ذلك بغاية تنويم الجزائريين، وإعادة تركيب وعيهم على مزاجه، ضمن مجموعة من المغالطات التي يراها مقبولة وكفيلة باقتحام قلوبهم، وتحويلها إلى الغاية المنشودة.

ويحضرني هنا، قوله وتكراره منذ أن تولى السلطة، أن لا علاقة لبلاده بقضية الصحراء، وأن المشكلة ثنائية بين المغرب والبوليساريو فقط. هي كذبة استحمارية أثبتت محدوديتها في الاستقطاب، وفي النصب والتخاريف على الشعب الجزائري أولا، ثم على شعوب إفريقيا التي بعد أن هبّت عليها نسائم الديمقراطية، لم تعد تطربها الأكاذيب المُغلفة بالشعارات الاشتراكية الزائفة، ولم يعد جيلها الجديد يقبل التسول والعلاوات، التي كان يتقاضاها بعض القادة الأفارقة بصورة منتظمة من خزينة الدولة الجزائرية.

كذبة استبلادية ساقطة، تعقبها أخرى من بين العشرات، لكن هذه المرة لخلط الأوراق، والنيل من وهج الارتباط القائم بين الشعبين المغربي والجزائري. كذبة من قبيل أن “كل محاولات الوقيعة بين الرئاسة والجيش وزرع الفتن والأخبار الكاذبة، يقف وراءها المغرب وإسرائيل”. ولا نحتاج هنا لمعرفة واسعة بعلم محتوى المضمون، La science du contenu لنفهم أن مثل هذا الكلام ينم عن زندقة وسفاهة ناطقتين بمرتبة حضيضية من المسؤولية الأخلاقية والسياسية. “تكلم حتى أراك”، يقول سقراط للتأكيد على خطورة القاذورات التي يتلفظ بها التافهون المُضللون. فربط المغرب بإسرائيل، هو تحامل كاذب على مواقف المغرب الأصيلة تجاه القضية الفلسطينية، إلى جانب كونه تطاول سفيه على المؤسسة الملكية التي لعبت منذ قرون دور المُوحّد والحامي للتماسك الوطني.

حقارة كهاته ستؤثث بعد أسابيع، لكذبة شيطانية، تحذيرية للشعب الجزائري، من قبيل تخويفه من “عدوان وشيك سيشنه المغرب ومعه إسرائيل، قريبا على الجزائر”. انظروا كيف يتم تخويف الجزائريين من “الغول المغربي” القادم لابتلاعهم بمعية إسرائيل، والظهور بمظهر المُنقذ الحامي لهم، والقاهر للمغرب ولأطماعه التوسعية. انظروا كيف التمويه خطير، وأسلوب التأثير وتوجيه الرأي العام الجزائري خفي ومُدمر. انظروا إلى مكر ودسائس سمسار السياسة وسلطان الكذب. كلام ساقط يندرج ضمن سلوك زنديق عديم الأخلاق، وبعيد كل البعد عن ثوابت الجوار وقواسم اللغة والدين والمصير المشترك.

ولأنه مصاب بعمى السلطة، فقد اختار تبون، من بين أساليب الخلود فيها، اغتيال أربعة ملايين جزائري دفعة واحدة، في كذبة مفضوحة رفع فيها عدد “الشهداء” من مليون شهيد، وهو العدد الذي أطلقه بن بلة وجمال عبد الناصر كشعار، في بداية نشأة الجزائر عام 1962، كدولة بمواصفاتها القانونية والدستورية. وتدحرج العدد في عهد الرئيس بوتفليقة إلى مليوني شهيد، قبل أن يصل اليوم إلى خمسة ملايين وستمائة وثلاثين ألف، كما أحصاها الكذّاب تبون، في عملية تزوير للوعي الشعبي الجزائري، والظهور بمظهر المجاهد الأكبر الذي يقدر حق تقدير شعبه “المجاهد”، متناسيا أن عدد سكان الجزائر سنة 1840 لم يكن يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، بحسب إحصاءات فرنسا، فيما عددهم في أول إحصاء جزائري سنة 1963، كان يراوح العشرة ملايين نسمة.

ثم إن الأرقام الخرافية التي قدمها صانع الكذب، عبد المجيد تبون، لم يأخذها، لا من إحصاءات رسمية، ولا من دراسات موثّقة، والجهة الوحيدة الجدير بالمصداقية، هي وزارة المجاهدين المعنية، التي لم تعترف إلا بنحو 450 ألف شهيد، ممن تتقاضى أسرهم بعض التعويضات عن الوفاة.
ومن هنا قد نفهم أن الخمسة ملايين وأكثر، كما نطق بها الرئيس تبون، قد تشمل فيما تشمل، خلال فترة الاحتلال، حصيلة الاقتتال بين فصائل جزائرية مؤيدة، وأخرى معارضة للتواجد الفرنسي، تنضاف إليها، بعد الاستقلال، حصيلة الحرب الأهلية أو العشرية الدموية السوداء التي أودت بحياة المئات من الآلاف، نتيجة صراع مسلح بين نظام العسكر، وفصائل موالية للجبهة الإسلامية للإنقاذ، عقب إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية لسنة 1991، والتي حققت فيها الجبهة فوزا مؤكدا.

والخلاصة من كل هذا أن مسار العلاقات المغربية الجزائرية منذ الانقلابي هواري بومدين إلى اليوم، يصطدم بحقيقة أن جميع رؤساء الجزائر حاولوا بالرغم من المواقف العدائية ضد المغرب ومن سياسة التدجين والشحن، مكْيجة مواقفهم العدائية وتليينها بما يحول دون تأجيج مشاعر العداء بين البلدين، إلا من الرئيس تبون الذي جعل من عدائه للمغرب ترياقا لاستمراره في الحكم ووسيلة ناجعة للنيل من وهج الارتباط والإخاء بين الشعبين الشقيقين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى