لم تمر سوى يومان عن زلزال الحوز، حتى طلعت صحيفة ليراسيون الفرنسية وعلى غلافها صورة امرأة تبكي من هول زلزال الحوز العظيم.لكن الصحيفة اختارت لغلافها عنوانا مضللا، ومتحاملا على تلك السيدة التي بدت ملامحها كاملة: “أنقذونا فنحن نموت”.
وإذا لم يحرك هذا العنوان مؤسس ليبراسيون في قبره “جان بول سارتر”، فقد حرك الضمير المهني لأن جريدة ليبراسيون تآمرت على الحقيقة وعانقت الزيف والتزوير، خاصة أن السيدة المذكورة صرحت لموقعنا “برلمان.كوم” بأن هول الزلزال جعلها تصرخ بالشهادة التي يرددها المسلمون أثناء النكبات والفواجع “أشهد ان لا إله إلا الله”، وقالت ايضا انه بعد وصول المساعدات وقوات الادخل والإنقاذ كان الجميع يردد “عاش الملك”، وبالتالي فإن ما ادعته الصحافة الفرنسية زور وبهتان وتحامل وتزوير وتشهير.
وقبل أكذوبة ليبراسيون بيومين فقط، كان ملك المغرب قد وجه تعليماته للقوات المسلحة للتدخل السريع والناجع، وانقاذ وإسعاف المصابين، والعناية بالمتضررين عبر إيوائهم، وتوفير الغذاء والماء، وكل الوسائل الضرورية لهم.
وماهي الا ساعات قليلة، حتى أعلن المغرب اكتفاءه بمساعدات اربعة دول فقط، لانها كانت تستجيب للمتطلبات، بينما رفض مساعدات دول أخرى، من بينها فرنسا، لالشئ، إلا لانها لا تستجيب لمتطلبات المرحلة والمنطقة. وعوض ان تتجاوب فرنسا كغيرها من الدول مع هذا القرار الحكيم،اغتاضت وركبت صهوة عنادها، وحركت أتفه صحافييها لنشر الادعاءات المغلوطة والمعلومات الكاذبة، مشيعين بأن المغرب ليس قادرا على مواجهة هذا الزلزال القوي لوحده.
جرأة الكذب عند وكالة الأنباء الرسمية لفرنسا وبعض صحفها، ومنها ليبراسيون، دفعت بالكوميدي الملقب ب”ديسكيت” الى الجهر بخلاصات دقيقة، وهي أن فرنسا لا تحترم ثقافة الشعوب الافريقية، وانها تشتكي المغرب لانه رفض مساعداتها، علما ان القرار سيادي محض، وانها عوض ان تسلك مسلك النقاش والحوار، سلكت مسلك الزور والكذب، وحث بعض الصحف على الإساءة للمغرب.
وبالرغم من أن “ليبراسيون” ضربت عرض الحائط بكل القيم الانسانية والمهنية، بنشرها لصورة امرأة بدون أخذ موافقتها، وضدا عن حق الإنسان في الصورة، وضرورة تصريحه بقبول التصوير، فقد نهجت جرائد فرنسية أخرى ك”شارلي إيبدو” و”ماريان” والوكالة الفرنسية للأنباء، نفس النهج، وفضلوا الانحراف عن الممارسة المهنية الجادة، وبالتالي نقل المعلومات المغلوطة، والصور المفبركة وغير ذلك.
وأمام وضع مخجل كهذا، سارع المجلس الوطني للصحافة في المغرب، ومعه نقابة الصحفيين، لاستنكار الممارسات المعيبة، بل المشينة، التي نهجتها الصحف الفرنسية، ضدا عن المواثيق الدولية. كما تجند شباب بعض المناطق في الحوز، لنشر التوعية، ومطالبة الصحفيين بالتزام المهنية، واحترام اعراف المنطقة، واعتماد تغطيات واقعية وإنسانية لحادث الزلزال.
وبالرغم من شراسة التشويش، وقوة الضوضاء، فإن المغاربة كان همهم الوحيد هو الإنقاذ والإسعاف والإيواء والتضامن والتبرع بالدم، وبكل ما يمكن ان يفيد في حينه، غير عابئين بهذا النقاش المثار في جانب آخر. لكن الرقصات الفرنسية على ألام الجراح في المغرب، لم تتوقف عند هذا الحد، فقد أوفدت مجلة “ماريان” صحفيا في بداية حياته المهنية، ليدخل البلاد كسائح، ويلتقي بمصورة فرنسية بالدار البيضاء، ويبدءان رحلة العبث، قوامها روبورتاجات مسيئة للمغرب ومؤسساته. ولأن الشاب الصحافي كذب في تصريحاته، فقد طلب منه العودة من حيث أتى، وهو ما لم يستسغه هذا الصحفي المبتدئ، فأطلق العنان لتدوينات يهدد فيها بنشر روبورتاجات مسيئة. ليبقى السؤال مطروحا في جوهره: أبهذا النموذج تريد فرنسا ان تطور الممارسة الصحفية؟ أبهذا العبث تريد فرنسا ان ترمم التصدعات التي حصلت في علاقاتها مع الدول الإفريقية؟.
واذا كنا نتحدث عن دولة فرنسا، ومدى انحدارها الى الأسفل، فالمقصود هنا بكل وضوح هو مؤسسة المخزن العميق في هذا البلد، إضافة الى الرئيس ماكرون وزبانيته، ومن يتبعهم من صحافيين وفاعلين في عدة مجالات. ذلك ان العديد من فعاليات الشعب الفرنسي ومكوناته، واجهت اخطاء ماكرون بقوة، وأظهرت تعاطفا كبيرا مع المغاربة ومع ملكهم، بل وتفهموا كثيرا اختيارات المغرب، وقراراته السيادية، فيما يخص قبول او رفض المساعدات.
ولكن أهم استنتاج يستحب ان نختم به هذه المقالة التحليلية، هو ان المغرب استطاع بجدارة واستحقاق ان يواجه الزلزال بكل تداعياته، وان يبرهن عن صلابة معدنه، وقوة مؤسساته، ومدى تلاحم شعبه مع ملك البلاد، وها نحن قد انتهينا من مرحلة الاسعاف والانقاذ والإيواء بنجاح كبير، ونمر الى مرحلة البناء والتعمير والتنمية، غير عابئين بكل كلب ينبح او ذئب يعوي او عقرب يمد شوكته الى الأعلى، فقد خلقتهم الطبيعة وما على الأمم إلا أن تعطي الدروس في العمل والاجتهاد وتقود قافلتها الى الأمام.