الأخبارركن الميداوي

نسائم رمضان تعبق الأحياء والأسواق الباريسية المغاربية في أواخر شعبان

الخط :
إستمع للمقال

ما من متجول في الأحياء والضواحي الباريسية ذات الكثافة السكانية المغاربية والإفريقية، إلا وينتابه الشعور بأن نسائم رمضان فاحت بعطورها وطقوسها المختلفة في قلب هذه الأحياء التي أضفت لمسة رمضانية على واجهاتها التجارية.
والزائر لهذه الأحياء مثل باربيص، وسان دوني، وغاريبالدي وغيرها، مع أواسط شعبان، لا يشعر بأنه في بلد أوربي يأوي بعض المهاجرين المسلمين، بل يحسب أنه في قلب مكناس أوتونس أو وهران.. فغالبية المحلات التجارية تعود ملكيتها إلى مهاجرين من أصول مغاربية، وقد ازدان الكثير منها بمظاهر الاحتفال بهذا الشهر الكريم، من خلال أنواع الحلويات المعروضة كالغريبة والبقلاوة والمقاروط والفقاص والكعبة وكذا والعجائن والفطائر بمختلف أنواعها، والتمور والمواد الغذائية من الألبان والأجبان إلى الخضر والفواكه والتوابل.

وتعرض الأسواق العشوائية المنتشرة في مختلف الضواحي هي الأخرى، كما في بعض أسواقنا المغربية، المستلزمات الرمضانية على الواجهة وحتى على الرصيف، فيما تلجأ المحلات التجارية الكبرى وأسواق السوبر ماركت، إلى تخزين عشرات الأنواع من المواد الغذائية، من منتوجات الحليب إلى الأسماك واللحوم والدواجن الحلال، سعيا منها إلى كسب جيوب المستهلكين المسلمين الذين يشكلون أكبر جالية في فرنسا (حوالي ستة ملايين مسلم). كما أوحى شهر الصيام أيضا لسلسلة مطاعم الوجبات السريعة الامريكية /ماكدونالدز/ إلى التفكير في تقديم وجبات مسائية خاصة ووضعت لافتات باللغة العربية والفرنسية تقول للزبناء “رمضان كريم”.

يقول إبراهيم النقري (34 سنة) صانع حلويات من مواليد تارودانت :”اعتدنا عرض المستلزمات الرمضانية قبل أسبوعين أو ثلاثة من حلول شهر رمضان الذي هو شهر الرواج بامتياز وشهر الحلويات أيضا، وخاصة الغريبة والكعبة والمخرقة والفقاص، وهي الأنواع التي تلقى جاذبية أكثر لما تتميز به من نكهة مغربية أصيلة وفوائد غذائية متنوعة”. وإلى جانبه تبدو الحاجة زهور، مغربية من منطقة تادلة، منهمكة في دعك العجائن لتحولها إلى فطائر مختلفة كالملوي والبطبوط والرزيزة والمحاجب بمختلف أشكالها. وعن السبب في مباشرة عملها قبل حلول شهر رمضان بثلاثة أسابيع، توضح بإن إقبال الزبائن على المستلزمات الرمضانية يبدأ مباشرة بعد شهر شعبان حيث الكثير من أعضاء الجالية الإسلامية بفرنسا يمارس الصيام لفترات متتالية قبل حلول شهر رمضان. وعن تجربتها تقول :”إنه عمل هامشي أمتهنه فقط مع حلول هذه المناسبة الفضيلة لأعود إلى حرفتي الحقيقية كمساعدة لإحدى النكّافات. وتضيف أنه عمل شاق ومتعب خاصة في جانبه المتعلق بإعداد المورقات والبسطيلات وما تتطلبه من حشويات مختلفة”.

وعن الرواج الذي يشهده محله التجاري في شهر رمضان، يكشف سعيد أوشريب، أن طاقمه المتكون من عشرة صناع وصانعات الحلوى والعجائن، وإن كان كافيا اليوم ونحن على أبواب رمضان، يقتضي تعزيزه فيما بعد لتلبية حاجيات الزبائن المسلمين بعد أن انضاف إليهم هذه السنة، بشكل ملفت، الزبائن الفرنسيون الذين تجتذبهم الفطائر المغربية على الخصوص وبعض الحلويات وعلى رأسها كعب غزال والشبكية.
ولأنه شهر البطن والولائم العائلية بامتياز، فقد تحولت المحلات والأسواق الرمضانية مع تزايد الحاجيات الاستهلاكية للجيلين الثاني والثالث من المسلمين الذين ولدوا في فرنسا ويفخرون بجذورهم وهويتهم الدينية، إلى تجارة جد مربحة يقدر حجمها بحوالي ستة مليارات أورو، وهي تنمو بنسبة %10 سنويا.
ويبدي كثير من الفرنسيين إعجابهم بصيام المسلمين في شهر رمضان، حيث يرى قسم منهم أنه يمثل قدرة عجيبة على الامتناع عن الأكل والشرب طيلة اليوم، فيما يرى قسم آخر أنه يمثل فرصة ذهبية للنحافة. وتلفت ظاهرة صيام بعض الأطفال المسلمين في المدارس، انتباه الفرنسيين إذ تزايدت، في السنوات الأخيرة، نسبة التلاميذ الذين يصومون في رمضان حتى وإن كانت بعض المؤسسات التعليمية الابتدائية تحرص على مساعدة الآباء لإقناع التلاميذ الذين لم يبلغوا سن الرشد للكف عن الصيام الذي يمتد بالنسبة لبعض الصغار بضعة أيام ثم يرتادون المطعم المدرسي من جديد.
وفي سياق متصل، كشفت القناة الفرنسة الخامسة في تحقيق حول شهر رمضان أن الشباب المسلم في فرنسا يبدو أكثر حرصا على أداء فريضة الصيام، مؤكدة أن رمضان يحظى بقيمة خاصة بين جميع شرائح المسلمين حتى الذين لا يبدون اكتراثا بممارسة الفروض الدينية الأخرى، إذ بمجرد أن يحل رمضان يحرصون على صيامه. وعزت ذلك إلى أن “رمضان له تأثير نفسي كبير في الوسط العائلي المسلم وخاصة أمام مشكلة الهوية التي تضرب الجيل الثاني والثالث من المهاجرين”.
وشرعت بعض المحطات الإذاعية الموجهة للشباب المغاربي في تقديم برامج مسترسلة خاصة بشهر رمضان حيث حلت تلاوة القرآن ونصائح الطبخ وندوات حول الفكر الإسلامي محل البرامج الموسيقية المعتادة.

ومن فضائل رمضان في دنيا الاغتراب أنه يقوي وشائج التضامن مع المعوزين والمشردين، ذلك أن معظم المطاعم المغربية تقدم وجبات إفطار مجانية لمختلف الوافدين وخاصة المشردون أو ما يصطلح على تسميتهم بالأشخاص بدون مأوى. وهؤلاء هم الأكثر حرمانا من الحقوق والرعاية والأكثر وهنا وتهميشا، يتقاسمون جميعهم مأساة التشرد والفقر وسوء التغذية. وتحصر الأرقام الرسمية عددهم في نحو 400 ألف، فيما تذهب تقديرات المنظمات الجمعوية إلى أزيد من مليون مشرد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى