شكل القرار الملكي الأخير، بالعفو على مجموعة من سجناء ما يعرفون بـ”السلفية الجهادية” والمدانين على خلفية عدد من القضايا الإرهابية، وذلك بمناسبة الذكرى الـ64 لثورة الملك والشعب، الحدث الأبرز خلال الأسبوع الذي ودعناه، بين مرحب بالخطوة في اتجاه خلق بوابة حوار مع متورطين في قضايا إرهاب، وبين متحفظ عليها.
ففي الوقت الذي اعتبر فيه عدد من المنادين بضرورة إيجاد حل عملي للمعتقلين الجهاديين، العفو خطوة إيجابية، على أساس أن المقاربة الزجرية وحدها لا ولن تكفي في الحد من الظاهرة الإرهابية، ذهب عدد آخر من المعلقين إلى عدم تقدير الخطوة الملكية، من بينهم صحف إسبانية هاجمت القرار الملكي، واعتبرته مجانبا للصواب، خصوصا وأن جراح إسبانيا لم تندمل بعد من تبعات الهجوم الإرهابي الغادر الذي استهدف هدوء برشلونة قبل ذلك بأيام.
من ذهبوا في اتجاه رفض الخطوة الملكية خصوصا الصحافة الإسبانية، لربما لا يعون ولا يفهمون بأنها خطوة لا علاقة لها بما يمكن أن يفهّمه لهم البعض من أن العفو الملكي وخصوصا في قضية “الجهاديين المحكومين بقضايا الإرهاب” هو عفو على المقاس أو عفو من باب العطف، لكنه في الحقيقة عفو له مقومات ومبررات أساسها مراجعات حقيقية للمعتقلين وتراجعات عن معتقداتهم الدموية وفق خطة مدروسة وبرنامج وضع وشرع في تنفيذه منذ شهور .
في هذا السياق قدمت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في بلاغ لها للرأي العام توصل “برلمان.كوم” بنسخة منه، الأساسيات التي جعلت عددا من معتقلي السلفية الجهادية يستفيدون من العفو الأخير.
وبحسب البلاغ فقد قامت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بإطلاق برنامج “مصالحة” موجه بالأساس لهذه الفئة التي عمرت طويلا بسجون المملكة، وهو برنامج تم إعداده، وبلورة منهجيته وتنفيذه بالاعتماد فقط على موارد المندوبية الذاتية وذلك في إطار تعاونها مع الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وخبراء مختصين.
ويرتكز هذا البرنامج على المصالحة مع الذات، النص الديني، والمجتمع، ومقاربة علمية تتكامل مع الجهود المتعددة الأبعاد والمبذولة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرّف وحماية المجتمع المغربي من آفاته المبنية على الاستباقية الأمنية والتحصين الروحي ومحاربة الهشاشة.
فلسفة مبادرة التامك مستمدة حسب ذات البلاغ من “التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى تعزيز قيم المواطنة والتسامح والاعتدال، وإذكاء الإحساس بالمسؤولية المواطنة بين مختلف شرائح وفعاليات المجتمع المغربي. وحرص الملك محمد السادس على ضرورة إصلاح العدالة الجنائية بالمغرب، على أسس المواطنة والمحاسبة والمسؤولية والمساواة في الحقوق والواجبات والفرص، وكذا ضرورة العمل والحرص على صون الكرامة الإنسانية للمواطنين السجناء التي لا تجردهم منها الأحكام القضائية السالبة للحرية”.
وأوضحت المندوبية أن “برنامج المصالحة في نسخته الأولى حقق أهدافه بنجاح خلال الفترة الممتدة ما بين 29 ماي و25 يوليو من العام 2017، و ذلك بسجن العرجات 1، و استفاد منه سجناء مدانون في ملفات الإرهاب و التطرف، يمثلون عينات من مختلف الاتجاهات الجهادية، والمحكوم عليهم بعقوبات سجنية متفاوتة، وقد عبروا عن رغبة أكيدة في المشاركة في هذا البرنامج بشكل اختياري وعن طواعية”.
تنفيذ هذا البرنامج حسب ذات البلاغ سيتم “وفق خطة تأخد بعين الاعتبار التأهيل الديني، الحقوقي والقانوني، والمصاحبة النفسية باعتبار أن الفئة المعنية من السجناء تعيش تحولات على مستوى تمثل الذات خلال مراحل متوالية تبدأ بمرحلة ما قبل الاعتقال مرورا بمرحلة المحاكمة ثم مرحلة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية بالمؤسسة السجنية، بالإضافة للبعد المتعلق بالـتأهيل السوسيو اقتصادي، من خلال تأهيل السجين للعودة للمجتمع بمؤهلات ذاتية تمكنه من الاندماج الاقتصادي والاجتماعي”.