ملف الأسبوع: هل تعجل المقاطعة برحيل الحكومة؟
عرفت حملة المقاطعة التي خاضها جزء كبير من المغاربة على ثلاث شركات مغربية، والتي انطلقت من العالم الافتراضي “الفيسبوك”، نجاحا باهرا أظهر أن بإمكان شرارة صغيرة في عالم افتراضي أن تهز شركات ومؤسسات “ضخمة” من قيمة شركات “أفريقيا_غاز” للمحروقات و”سنطرال” دانون و”سيدي علي”.
حملة المقاطعة التي يتحدث الكثيرون لحدود الساعة عن أضرارها على الشركات المقاطعة، خاصة بعد اتهام هذه الأخيرة لجهات سياسية وحزبية بالوقوف وراء “التحريض” على المقاطعة، ما جعل البعض يتحدث عن تسييس المقاطعة واحتمالية تأثيرها على حكومة العثماني والتي قد تصل حد التعجيل برحيلها.
الخبير في الشأن السياسي والباحث في العلوم السياسية، رشيد لزرق، وفي حديث مع “برلمان.كوم” حول مدى نجاح المقاطعة وتبعاتها على الحكومة الحالية، أكد أنه ولحدود الساعة يمكن القول إن الحملة ناجحة بين المستهلكين، مشيرا إلى أن هذا النجاح من شأنه أن يدفع إلى رفع المطالب الشعبية، التي يمكن أن تصل إلى المطالبة بإقالة العثماني، تحت طائلة عجز حكومته عن حل إشكالية الأسعار.
وأضاف لزرق، أن المقاطعة لها القدرة على تعميق التناقض ما من شأنه أن يسقط الحكومة من تلقاء نفسها، وذلك عبر خروج “التجمع الوطني للأحرار”، الذي يمكن أن تتضامن معه أحزاب أخرى من داخل الأغلبية الحكومية بفعل الضربات تحت الحزام الموجهة من جناح ابن كيران، والتي تعد ضربا لميثاق الأغلبية الحكومية، خاصة بعد تلميح وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، بكون الحملة مدبرة من قبل شبيبة حزب “العدالة والتنمية” المقربة من الأمين العام السابق عبد الإله بن كيران، ما سيفجر الحكومة من الداخل.
هذا، وربط الخبير السياسي، بقاء حكومة العثماني بالسلم الاجتماعي المهدد بفعل اندلاع موجة غلاء غير مسبوقة، والتي من شأنها أن ترفع من وتيرة الحركات الاجتماعية، وعدم قدرة العثماني على احتواء الضربات وتحمل المسؤولية السياسية بفعل التطاحنات الداخلية التي يعرفها حزب “العدالة والتنمية”، وضربات جناح ابن كيران المتكررة للحلفاء الحكوميين، مما قد يؤجج عدم الثقة، ويضرب التضامن الحكومي عبر اشتداد الصراع، بفعل الضربات المتكررة للجناح المزايد الموالي لبن كيران، والذي يقود حملة الغاية منها كسر العظام، في ظهور بوادر انفجار الأغلبية الحكومية، وعوامل خارجية لا تصب في مصلحة الحكومة، خاصة في ظل التقلبات التي يعرفها الشرق الأوسط، التي يمكن أن تؤدي إلى صعود أسعار البترول، ما قد يساهم في تأجيج الغضب الشعبي ويطالب بإقالتها.
وبعيدا عن مدى قدرة المقاطعة على إسقاط الحكومة، شدد لزرق على أنه من شبه المستحيل معالجة المناوشات الحالية بمعزل عن السياق السياسي والاقتصادي الذي يعيشه المغرب؛ خاصة في ظرف ينتظر فيه إحداث تغيير في النموذج التنموي حيث تبني الحكومة نموذجا تنمويا يحدد السياسات الاستراتيجية الاقتصادية للحكومة، مما يجعل التنافس الانتخابي لرئاسة “الباطرونا” رهانا حقيقيا، والذي أكد لزرق أنه هو في كل الأحوال ليس تنافسا إيديولوجيا، باعتبار أن رجال الأعمال يعملون بمنطق ربحي صرف، يدفعهم إلى التخوف من توجيه القوانين الاستثمارية والاستثمارات الحكومية المباشرة نَحو القطاعات التي يمثلونها، ومنه تظل مسؤولية الحكومة هي إقامة توازن بين رجال المال وليس توظيف السياسة بهذه الطرق لأهداف ذاتية.
وأشار الخبير السياسي، إلى التخوف الذي تعيشه نخبة رجال المال والأعمال وخوفهم من عدم الاستفادة من المشاريع التنموية التي ستقدم عليها الحكومة في إطار تنزيل النموذج التنموي، على اعتبار أن تواجد المقربين من “التجمع الوطني للأحرار” في الحكومة، يثير تخوفات منافسين آخرين في توجيه المشاريع التنموية لخدمة المجال الذي يشتغلون به، في إطار الصراع الطاحن بين الجناح السياسي الذي يمثله القيادي بـ”التجمع الوطني للأحرار”، صلاح الدين مزوار، وبين رجال أعمال نافذين يبحثون عن خطف رئاسة اتحاد مقاولات المغرب، هذا الوضع جعل تلاقي المصالح بين مركب مصلحي داخل الباطرونا والجناح المزايد لبن كيران، الذي يظهر في انخراط كتائب شعبية لـ”العدالة والتنمية” في حملة المقاطعة، وذلك في إطار سياسة “رد الصاع” لحزب “الحمامة” الذي يحمله الجناح المزايد مسؤولية في عزل بن كيران.
ويبقى لكل ما يعيشه المغرب اليوم، انعكاسات على المشهد السياسي يمكنها أن تتسبب في إعادة هيكلته عبر طي صفحة القيادات الشعبوية وتأهيل نخب قيادية جديدة ذات مصداقية لإعادة الاعتبار والثقة ليس فقط للفعل السياسي بل للسياسات العمومية وتدخل الدولة وتدبير الشأن العام.