ملف الأسبوع: المغرب وإفريقيا وفرص الاستثمار الممكنة
طفا اهتمام المغرب بعمقه الإفريقي على السطح في بداية الألفية الثالثة وبالتحديد سنة 2002، حيث لاحظ المواطن المغربي أن الملك محمد السادس كثف من زياراته للعديد من الدول الإفريقية التي بلغت أزيد من 51 زيارة لما يناهز 26 بلدا، وهي الزيارات التي توجت بتوقيع عشرات الاتفاقيات، وبعودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي سنة 2017، وآخر تلك الزيارات، قمة قادة دول ورؤساء حكومات لجنة المناخ والصندوق الأزرق لحوض الكونغو، المنعقدة نهاية الأسبوع الماضي ببرازافيل.
الاتفاقيات التي وقعها المغرب مع العديد من الدول الإفريقية، ضخت فيها المملكة مبالغ كبيرة، حيث بلغت قيمة استثمارات المغرب في تنزانيا حوالي ملياري دولار، ناهيك عن مشروع خط أنابيب الغاز الذي سيربط بين المغرب ونيجيريا، الذي حصرت العديد من الجهات تكلفته ما بين 5 و20 مليار دولار.
استثمار المغرب لهذه الأموال في إفريقيا الشرقية والغربية، يجعل المواطن المغربي يتساءل عما سيجنيه المغرب من هذه الاتفاقيات، وكيف لها أن تعود بالنفع على الشعب المغربي خصوصا الطبقة الفقيرة، مقابل هذا، ما الذي ستربحه إفريقيا من هذا التلاحم.
الاتفاقيات رفعت مستوى تصريف المنتوجات المغربية بإفريقيا
خاطري الشرقي، المدير التنفيذي لمركز الجنوب للدراسات والأبحاث أبرز في حديث لـ”برلمان.كوم“، أن المغرب اعتبر عودته إلى الاتحاد الإفريقي خيارا استراتيجيا يشمل عدة محاور منها، الجانب السياسي المرتبط بوحدته الترابية والجانب الأمني في إطار تقويض الشبكة الدولية للإرهاب، “ولكن الأهم هو الجانب الاقتصادي، حيث تم توقيع ما يقرب من ألف اتفاقية مع البلدان الإفريقية في مختلف الميادين من منطلق رابح-رابح”.
وخلال عرضه لما يمكن أن يستفيد منه المغرب من خلال الاتفاقيات السالفة الذكر، قال الباحث في العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، “هناك العديد من المؤسسات المالية المغربية التي سهلت ولوج الرأسمال المغربي لإفريقيا، الأمر الذي أدى إلى إقامة مشاريع استثمارية ضخمة كما هو الحال بإثيوبيا، والسنيغال، والكوت ديفوار، ومالي”.
وساهمت هذه الاتفاقيات في الرفع من مستويات عملية تصريف المنتوجات المغربية في السوق الإفريقية وخصوصا غرب إفريقيا، ومؤخرا شرقها، كما أن المغرب أصبح يلعب دور الوسيط بين الرأسمال الأجنبي الذي يرغب في الانخراط في عملية الاستثمار بإفريقيا والدول الإفريقية”. ويرجع ذلك، يقول المتحدث، إلى حجم المشاريع التي تتحكم فيها المقاولات والشراكات المغربية خصوصا في مجال البناء والاتصالات والفلاحة والنقل واللوجستيك، بالعديد من الدول الإفريقية.
إفريقيا ستستفيد من الخبرة المغربية
مقابل هذا أورد المتحدث أن الدول الإفريقية ستستفيد من الخبرة والمهارة المغربية على مستوي التسيير الإداري والمالي في القطاع الاقتصادي التي راكمها في إطار برامج تأهيل وتكوين وتأطير المقاولة والاقتصاد، المغربي زد على ذلك حصولها على منتوجات وموارد مالية ناتجة عن إقامة مشاريع ضخمة في البلدان الإفريقية مما سيسهم في تحسين معدلات انخفاض البطالة والرفع من القدرة التنافسية الاقتصاديات الدول الإفريقية بانخفاض تكلفة الإنتاج ووفرة الموارد الأولية، بأثمنة بخسة ستستفيد منها كذلك المقاولات المغربية.
كما أن المغرب انخراط في تأهيل المهاجرين القادمين من الدول الإفريقية عن طريق منحهم أوراق الإقامة والسماح لهم بممارسة كافة حقوقهم وإرجاع العديد منهم إلى بلدانهم في إطار منطق التعاون ما بين الدول الإفريقية والأوروبية، وفق تعبير المتحدث.
تفاهم المغرب وإفريقيا يأهله للعب أدوار طلائعية
وفي مجمل الحديث، يضيف الشرقي، يمكن اعتبار التداخل والتعامل الاقتصادي بين إفريقيا والمغرب إيجابي للطرفين سواء في نتائجه أو الرهانات التي ينوي تحقيقها، والمجسدة؛ أولا تدعيم عنصر الاستقرار والالتزام، بين المغرب وإفريقيا وفق منطق رابح-رابح وتحصينه ضد جميع الهزات التي تعترضه خصوصا من قبل الأطراف التي ترى أن هذا التوجه خطر على مجالها الحيوي والاستراتيجي وبالأخص إفريقيا الغربية والجزائر، وإفريقيا الشرقية ونجيريا وجنوب إفريقيا.
ثانيا الرهان الاقتصادي هو العنصر المدعم لمجالات أكبر للتعاون سواء في الجانب الأمني العسكري المتمثل في الدورات التكوينية واكتساب المهارات، والخبرات المغربية في مجال محاربة الإرهاب والحد من عناصر تقويض الأمن والسلم الإفريقيين.
وأبرز المتحدث أن هذا الانسجام والتفاهم والتوافق بين المغرب وإفريقيا يجسد قدرة المغرب على لعب أدوار طلائعية في المحيط الإفريقي بما يضمن مصالحه الحيوية، ونفس الوقت تحديد خيارات القارة في المرحلة المقبلة بما يحقق التنمية المستدامة لإفريقيا، التي كان آخرها، تطبيق توصيات القمة الإفريقية للمناخ وما حملته، بخصوص استراتيجيات تثمين حوض الكونغو والرهانات التنموية والاقتصادية الممكن ربحها من خلاله.