ملف الأسبوع: الخيانة الزوجية بين الماضي والحاضر
الخيانة الزوجية سلوك بشري يدخل ضمن الأفعال الخطيرة أو الأخطاء الكبيرة أو يصل إلى حد الكبائر التي لا يتسامح معها ضحاياها ولا يتقبلها المجتمع.
في الماضي كانت قضايا الخيانة الزوجية نادرا ما يتم كشفها، وفي حالة ما إذا انفضح أمر طرفي الخيانة الزوجية فإن العاقبة تكون كارثية ومأساوية، على اعتبار ارتباط الواقعة بجرائم الشرف التي كانت تسفك على أساسها دماء الزوجة الخائنة لميثاق الزواج، كما أن الرجل الذي يتورط في الخيانة غالبا ما ينتهي أمره بالقتل سواء من طرف زوج المرأة الخائنة أو من طرف أقاربه أو أقاربها.
فقد كانت ظاهرة الخيانة فِعْلا خطيرا يحرص الجميع على تجنبه باعتباره جريمة تهدد تماسك الأسر، بالإضافة إلى خطورتها على مستوى إفساد النسل وتحديد الأنساب.
وبالنظر إلى طبيعة المجتمعات التقليدية التي كانت الأسرة النووية فيها خاضعة لأسرة العشيرة والقبلية، وبالنظر كذلك إلى حجب النساء عن الرجال، وعدم اختلاطهن بغير أزواجهن والمحرمين عليهن، فقد كانت نسبة الخيانة الزوجية في تلك المجتمعات التقليدية ضعيفة جدا، مع التأكيد على أن الخيانة حتى وإن وقعت فهي لا تخرج عن نطاق العلاقة الأسرية التي تجمع بين الرجل والمرأة الخائنين، في حالة اقتناص فرص مواتية قليلا ما تتكرر.
كما يمكن القول إن شيوع ظاهرة تعدد الزوجات في الماضي ساهم بشكل كبير في الحد من وقوع الخيانات الزوجية، علما أن الرجال هم الذين كانوا يبادرون إلى ارتكاب هذه الأفعال الشنيعة.
أما في الوقت الحاضر فمسألة الخيانة الزوجية أصبحت متفشية في المجتمعات المعاصرة بشكل كبير، لعدة اعتبارات أهمها خروج المرأة إلى العمل واحتكاكها بالرجل في مختلف المجالات. فقد ساعد اختلاط النساء والرجال في أماكن العمل لساعات طويلة، وبشكل متكرر يوميا في التشجيع على إقامة علاقات غير شرعية بين الرجل والمرأة المرتبطين بغيرهما، بفعل انجذاب أحدهما نحو الآخر أو لغرض إشباع الرغبة الجنسية المفقودة في العلاقة الزوجية.
وهناك عوامل أخرى مرتبطة بالخيانة الزوجية تتعلق أساسا بسلوك وممارسات بعض أرباب العمل والمسؤولين الذين يستغلون الظروف المادية الصعبة لبعض الأسر ويقومون بالضغط على المرأة ومقايضة تشغيلها أو الرفع من مرتبها بالممارسة الجنسية، وهذا ما يؤدي بالعديد من النساء العاملات إلى خيانة أزواجهن وهن مكرهات غير راغبات في ارتكاب هذا الفعل الشنيع.
وهناك من النساء المتزوجات في الوقت الراهن من تمتهن خلسة على أزواجهن مهنة البغاء، دافعهن من وراء ذلك الحاجة إلى تحصيل مدخول محترم وغالبا ما يلجأن إلى التستر عن ذلك بالقيام بنشاط تجاري صغير لتبرير حصولهن على المال.
كما أن تشديد القوانين التي تتيح للرجل تعدد الزواج وكذا ارتفاع تكاليف الإنفاق على أكثر من زوجة واحدة، دفع بالعديد من الرجال إلى ارتكاب الخيانة الزوجية من خلال نسج علاقات مع نساء أخريات لإشباع نزواتهم الجنسية.
وعكس ما كان سائدا في الماضي فإن المجتمع في الوقت الحاضر أصبح يتعايش مع ظاهرة الخيانة الزوجية بحيث أن الكثير من الناس يعلمون بوجود خيانات زوجية ورغم ذلك فهم يغضون عنها الطرف، وحتى القوانين لم تعد متشددة بخصوص معاقبة مرتكبي فعل الخيانة، بل إن تنازل أحد الزوجين عن المطالبة بالحق المدني لفائدة الطرف الخائن يمكن هذا الأخير من الإفلات من العقاب.
وقد أدى تطور المجتمعات وتفكك العائلات الكبيرة وتحرر المرأة وخروجها إلى العمل في ارتفاع نسبة انتشار الخيانة الزوجية مقارنة مع الماضي، في مقابل الانخفاض الكبير في جرائم الشرف المرتبطة بذلك، والتي تم الاستعاضة عنها بالتقاضي أمام المحكمة، لأن القانون لا يرحم مرتكب جريمة قتل الطرف الخائن.
والأكيد أن التحولات المتسارعة داخل المجتمع أصبحت تطرح تساؤلات كبيرة حول انتشار هذه الظاهرة، وتستدعي اتخاذ التدابير والآليات الكفيلة بالحد من انتشارها ضمانا لتماسك الأسر وعدم المس بحرمات الآخرين.