مع اقتراب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان المغربي، يُثار تساؤل كبير حول مصداقية عدد من البرلمانيين في ظل تورط عدد منهم في قضايا فساد، فالوضع الحالي أصبح مثيرا للقلق، حيث يُتابع بعض البرلمانيين قضائياً بتهم تتعلق بتجاوزات مالية وأخرى مرتبطة بالإثراء غير المشروع، بينما يقبع آخرون خلف القضبان بعد ثبوت تورطهم في أنشطة غير قانونية، وهذا الوضع يشكّل ضربة قوية لصورة البرلمان كمؤسسة يفترض أن تكون مكرسة لخدمة الصالح العام والرقابة على السلطة التنفيذية، وليس ملاذاً للهاربين من العدالة.
وتُطرح أسئلة من قبيل؛ هل بات البرلمان ملجأ للأفراد الذين يسعون للاستفادة من الحصانة البرلمانية لحماية أنفسهم من المساءلة القانونية؟ كما تبرز الحاجة الماسة إلى إصلاحات عميقة داخل المؤسسة التشريعية، لضمان النزاهة والمصداقية وإعادة الثقة في العمل السياسي ككل.
وقدم المحلل السياسي محمد شقير عبر تصريح أدلى به لموقع “برلمان.كوم”، تحليلا عميقا حول التطورات التي شهدها العمل البرلماني في المغرب منذ الاستقلال، مع التركيز على فترة الولاية الأولى للبرلمان، التي شكلت نقطة مضيئة في تاريخ العمل التشريعي المغربي، مستعرضا كذلك التحديات التي تواجه المؤسسة التشريعية في الوقت الراهن، في ظل التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب.
وأشار شقير إلى أن الولاية الأولى للبرلمان المغربي (1963-1965) كانت فترة ذهبية، تميزت بممارسة سياسية نبيلة، حيث كانت النخب السياسية تناقش القضايا بجدية وتمارس دورها في مراقبة عمل الحكومة. البرلمان حينها كان منبرا للحوار الجاد حول البرامج والسياسات، وشكل أداة رقابية على السلطة التنفيذية.
لكن مع فرض حالة الاستثناء وتداعياتها، بدأت نخب جديدة تتسرب إلى البرلمان لأسباب شخصية بحتة، تتعلق بالحصول على الحصانة التي توفرها العضوية البرلمانية، هذا التحول في تركيبة البرلمان أدى إلى ظهور نواب يضعون مصالحهم الخاصة فوق الصالح العام، مع تورط بعضهم في أنشطة مشبوهة، وقد ضرب شقير مثالا على ذلك بقضية “إسكوبار الصحراء”، التي تورط فيها بعض البرلمانيين في أنشطة غير قانونية وإجرامية.
وبحسب شقير، فإن ضعف الأحزاب السياسية ساهم في ظهور مافيات داخل المشهد السياسي، بما في ذلك مافيات الاتجار بالمخدرات، التي نجحت في إيصال بعض الأفراد إلى قبة البرلمان، وهذا الوضع المتأزم جعل الملك محمد السادس يدعو إلى إحداث مدونة أخلاقيات داخل البرلمان لضمان الالتزام بالقيم الوطنية والمصلحة العامة.
وبالانتقال إلى التحديات الحالية، أكد شقير على أهمية الورش التشريعي الجاري في البرلمان، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المغرب، ومن بين هذه الملفات البارزة مناقشة قانون المالية، الذي من المفترض في الحكومة الحالية أن تحرص من خلاله على اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة غلاء المعيشة والبطالة.
كما أشار شقير إلى أن هناك مشاريع قوانين تشريعية أخرى تنتظر مناقشتها، من بينها قانون الإضراب، والقانون الجنائي والمسطرة الجنائية، إلى جانب مدونة الأسرة.
وتأتي هذه الملفات في إطار تعزيز الحماية الاجتماعية وإصلاح صناديق التقاعد، بالإضافة إلى إيجاد حلول لمشكلات تدبير المياه، والتي أصبحت تحديا كبيرًا في ظل شح المياه الذي يواجهه المغرب.
وفيما يتعلق بالكوارث الطبيعية الأخيرة، خاصة زلزال الحوز وفيضانات الجنوب الشرقي، أكد شقير أن البرلمان سيكون مطالبا بمناقشة الإصلاحات الضرورية لتجاوز هذه الأزمات، والحكومة مطالبة باتخاذ تدابير عاجلة لإصلاح الأضرار ودعم المتضررين، في إطار استراتيجية وطنية شاملة للتعامل مع الكوارث الطبيعية.