معرض الشارقة للكتاب.. إعلام مغربي يُشبهني ويُمثّلني
كما لم يكن بمقدوري تجاوز مشاعر الحب الذي تملّكني، وأنا أتابع الكلمة التاريخية المؤثرة التي ألقاها حاكم إمارة الشارقة، سلطان بن محمد القاسمي، في حفل تكريم المغرب، ضيف شرف، بمعرض الشارقة للكتاب، والتي أثنى فيها بقوة على دور المغرب “كجسر حضاري يحمل إرث الأندلس، ويعزز روابط الوحدة بين شعوب منطقة المغرب العربي”. لم يكن أيضا باستطاعتي تجاهل مشاعر الامتنان والتقدير لإعلام يُشبهني ويُمثلني اسمه الإعلام المغربي، بجرائده الورقية والإلكترونية، ومحطاته الإذاعية والتلفزية وشبكاته التواصلية المختلفة.
بدت التغطية الإعلامية لفحوى ما قاله سلطان بن محمد القاسمي، من أن “الأندلس حتى لو اختفت، عوضنا الله بالمغرب”، وكأنها عيد كل شيء في معرض الشارقة. فيديوهات، صور، تعاليق على وسائل التواصل الاجتماعي، كل يضيف على المفردات معاني خاصة منبثقة من مخزون قلبه، وتمناها مشتركا إنسانيا مع الآخرين.
إعلام مغربي يُشبهني ويُمثّلني هذا الذي كان على قلب واحد، مُعززا بمنصات التواصل الاجتماعي التي غصت بالتغريدات والكلمات الناطقة بالروابط الأخوية القوية بين البلدين. شاشات وإذاعات، ومعها مواقع إلكترونية وصحف يومية بأدواتها وتقنياتها الرقمية الجديدة. جميعها شاركت في تقديم صورة متألقة عن الحدث. وجميعها جعلت كلمة حاكم الشارقة في حق المغرب، تُدوّي قوية في أرجاء المعرض، لتجعل الحدث بمستوى من فيه، ولتجتهد في إيصال الرسالة بعفوية متناهية، وتوجيه البوصلة نحو هدف واحد يجمع بين الشعوب العربية ولا يفرق، ويجعل الحب والإخاء أسلوب حياتنا، بما يكرس المثل الهندي القائل : “رُقي المجتمعات يتجلى في أن تُحب لتحيا وتحيا لتُحب”.
إعلام يشبهني ويمثلني لأنه إعلام دون تراشق أو تصادم أو شعبوية. إعلام يذكرني بتلك الصحافة الوطنية العتيقة (العلم، البيان، المُحرر، لاماليف، ليبيراسيون، وغيرها..) التي كانت لمن عليه أن يتذكر، تطالعنا كل يوم في الثمانينات والتسعينات، بمقالات إخبارية وتحليلية لأحداث بعضها وارد من الصحفي نفسه في ظل تغطية خاصة، وبعضها منسوب إلى الزميل الفلاني أو الصحيفة الفلانية، حيث الجسم الإعلامي منيع ومتماسك، وكل صحيفة تجتهد، في حدود قناعاتها المذهبية وأنساقها التحريرية، على صناعة خط تحريري يميزها عن غيرها، ويعكس وجهة نظرها. هاجس هذه الصحف، تقديم مادة إعلامية نقية تسهم في تنوير القارئ وتثقيفه، في ظل أجواء سليمة متحررة، تستوعب انشغالات المتلقي، من دون قيود أو تغول تمارسه صحيفة على أخرى، أو تهجمات قذرة أصبحت اليوم سمة مألوفة في مشهدنا الإعلامي، وخاصة لدى بعض المنابر والمواقع المنحطة، المتشبعة بالشعبوية الزائدة القائمة على تزييف الوعي وبيع الكذب للقراء.
أحالتني التغطية الإعلامية المغربية النظيفة لمعرض الشارقة للكتاب، والخالية من كل تمجيد أو نفخ شعبوي في شهادة واحد من كبار رجالات الثقافة في الوطن العربي، حاكم الشارقة، سلطان بن محمد القاسمي، المتفاخرة بالمغرب وبالإرث الأندلسي ـ المغربي الثمين، على كتاب “الوهم الشعبوي” الذي أصدره الإعلامي البلجيكي، لوي غرافيي، في عام 2016، ويقدم فيه نظرة تحليلية شاملة لظاهرة الشعبوية الإعلامية، التي تتضخم وتنكمش وفق ما تفرزه الأوضاع الاجتماعية من مواقف مختلفة. وأهمية الكتاب لا تتجلى فيما يعرضه صاحبه من حالات “شعبوية” غزت المشهد الإعلامي الأوربي، وانمحت منه اليوم بنسبة تفوق التسعين بالمئة، ولكن في كون الظاهرة تسربت بدون سابق إعلان وبشكل مُدمّر للجسم الإعلامي الوطني، حيث بعض أهل المهنة ممن يعتزون بشعبويتهم، يعتقدون أن القارئ بحاجة شبه مدمنة إلى أقراص دعائية لتنشيط جانبه العاطفي والمخيالي. فهاتيك من خطاب زائف، قائم على الإثارة والتهييج، وقد أعطوا لأنفسهم كامل الصلاحية في انتقاد ولسْع الجميع، من دون حجج ثابتة، وهم فوق الناس جميعا.
ومن هنا، انتابني، وأنا أتابع التغطية الإعلامية المغربية لوقائع معرض الشارقة للكتاب، إحساس قوي بأن إعلامنا ارتقى إلى قمة المسؤولية والفعالية، والمواطنة الحقيقية المقرونة بالكفاءة في فهم الحدث، ونقله بالدقة والموضوعية اللازمتين. إعلام يعجبني ويمثلني.
وهذا يعني أيضا وجوب الارتقاء بمؤسساتنا الإعلامية التي هي بحاجة إلى مناخ ديمقراطي سليم، وإلى تشريعات قانونية شفافة وواضحة، تحمي المهنة من الدخلاء المتطفلين، من جهة، ومن الانتهازيين الذين يوظفون المنابر الإعلامية لفبركة الرأي وتكييف الحقيقة وفق مصالحهم الخاصة، من جهة ثانية.
ولا يمكن هنا فصل العملية الإعلامية بوظائفها المختلفة عن الديمقراطية، حيث لا مؤسسات ديمقراطية بدون منظومة إعلامية متماسكة تؤمن بالتواصل الأفقي وليس العمودي، وتساهم في تنوير الرأي العام وإشراكه في عملية اتخاذ القرار.