الأخبارركن الميداوي

مدونة الأسرة.. متى يكُف التيار الإسلاموي عن شيطنة وتكفير دعاة المساواة والعدالة المجتمعية؟

الخط :
إستمع للمقال

الآن وقد أصدر الملك محمد السادس توجيهاته للمجلس الأعلى الإسلامي، قصد دراسة المسائل الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، استنادا إلى “مبادئ الإسلام، ومقاصده السمحة”، ورفع فتوى بشأنها، بناء على “فضائل الاعتدال والاجتهاد المنفتح البناء”، كما جاء في بلاغ الديوان الملكي. والآن وقد شرع المجلس الأعلى الإسلامي في مباشرة المهام الملقاة على عاتقه، في ظل الضابط الذي طالما عبر عنه جلالته، “من عدم السماح بتحليل حرام ولا تحريم حلال”، لم يبق للتيارات الإسلاموية، سوى الكف عن شيطنة كل من يدعو للمساواة وللعدالة المجتمعية، والتشكيك في إسلاميتهم، بل الذهاب إلى حد تكفيرهم، بحجة أن بعض مقتضيات المدونة، تتعارض مع النصوص الدينية، بل منها ما هو قادم من الخارج.

مثل هذا التوجه الذي يُغيّب مبدأ الاختلاف، ويفتقر للمرونة اللازمة للتعامل مع مستلزمات العصر، هو في حقيقة الأمر، وليد ثقافة “الأنا الحزبية الإسلاموية” التي كرست منذ نصف قرن أو يزيد،الثنائية التخوينية والتكفيرية القائمة على إما “معي أو خائن”، وإما “إسلاموي أو كافر”. وهي ثنائية بقدر ما خلقت حالة من التّخندُق السياسي، ضيّعت على المغرب سنوات من المراجعة والإصلاح، وابتكار ما يلزم من نصوص وقوانين، تحقق المزيد من المساواة والعدالة بين الجنسين، لاسيما وأن المغرب لم يتخلصحتى اللحظة من السلطة الذكورية، ومن نموذج الرجل المعيل لأسرته، وهو ما يُبقي الكاطالوج العام للمغرب، فيما يخص إنصاف المرأة والإقرار بحقوقها، باهتا ومتأزما، في ظل الإهمال المجحف الذي طال ولا يزال منظومة الأسرة بشكل عام.

ويمكن القول بما يشبه اليقين، إن التيار الإسلامي الذي يتزعمه عبد الإله بنكيران، لم يكن يحلم قبل سنتين بفرصة ذهبية مثل مدونة الأسرة، تُمكنه من كسب نقط ارتكاز جديدة ضاعت منه،بعد أن لفظه المغاربة بشكل مهين في انتخابات 2021. مدونة الأسرة التي جعل منها الأداة المثلى للتباهي والتفاخر بمرجعياتها الإسلاموية، ومن خلالها التلويح، بل التهديد بالخروج في “مسيرة مليونية”، إذا حدث أن تضمنت المدونة تعديلات غير منسجمة مع أهوائه.

تهديد على شاكلة ابتزاز سياسوي رخيص، ينمُّ عن سلوك متعشش في بيئة “العدالة والتنمية”، الذي سطا هذه المرة على مدونة الأسرة، بعد أن أدرك باليقين بأن مشروعه الإسلاموي لم يعد له تأثير يذكر، في معظم جوانب الحياة السياسية والاجتماعية، ولم يبق له سوى الظهور بمظهر المسلم الواعظ،الحامي للدين وللمواطنين من الانزلاقات المتعارضة، على حد زعمه، مع النصوص الدينية.

ومن هنا وجب طرح سؤال عريض على “الزعيم” بنكيران وعلى كل من يسير على منواله: أي ضرر سيلحق بالنصوص الدينية إذاأقرت المدونة، من بين ما ستُقرّه، المساواة بين الذكر والأنثى في الإرث؟ وأي ضرر لحق بها، والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، لا يطبقون عقوبة “قطع يد السارق، وجلد الزانية والزاني مئة جلدة”، المنصوص عليها في القرآن الكريم؟

الإسلام يا صديقنا المسلم، بما هو دين شامل ومتكامل، لا يمنع الاجتهادات الآدمية في مجال تدبير شؤونهم بما يتماشى معالتطورات الحياتية المتسارعة. وإلا سِرنا على منوال الإسلام الأفغاني الذي يُكفّر كل من يتيح للمرأة المسلمة سبل الدراسة والتحصيل لتصبح متعلمة، طبيبة، قاضية، ضابطة، برلمانية،حاكمة، واللائحة تطول…

إنكار حق المرأة في المزيد من المساواة بين الجنسين، يُحيلنا على الصورة القاتمة التي يرسمها الكثير من المغاربة عنها قبل حتى أن تولد. ي في مُخّ التيار الإسلاموي، وفي أمخاخ الغالبية من المغاربة المتشبعين بالأفكار البالية، عارٌ قادم، ووجع للرأس قبل أن ترى النور. هي ضيف غير مرحب به في الذاكرة المجتمعيةالماضوية بشكل عام، مع استثناء بعض الأسر المُنفتحة التي تمكنت من التخلص من الوهم الذكوري الزائد.

الفكر المغربي المتشبع بالأفكار الإسلاموية المغشوشة، يتخذ ضدها موقفاً ظالما، حينما يعتبرها ضرر قادم إلى بيوتنا، يتعين التعامل معه بما يشبه الحصار حتى لا يُدنس شرف الأسرة. جمالها وقُبحها سيان، بحسب المثل المغربي: “الجميِلة صداع للرأس والقبيِحة مرض للمعدة “. هي في الكثير من الأوساط عبء على الأسرة حتى تصادف العريس الذي سيحميها من ترقُّب الأسرة وشكوكها.

ولادة الأنثى لا زالت، يا صاحب التهديد بمسيرة مليونية، تُستقبل بضيق في بعض بيوتنا. ومع الولادة تبدأ أول معالم العنف النفسي ضدها، ككائن ثانوي، احتياطي من الدرجة الثانية. عُنف قائم على مصادرة حقها في تأكيد رتبتها كشريكة رئيسيةومؤثرة. فالمجتمع الذكوري في عقليته البالية، لا يترك للفتاة الفرصة لإظهار تفُوّقها، فهي متهمة بالقصور في الفهم إلى أن تثبت عكس ذلك، وحتى لو فعلت، فالتفوّق غير موجود في جيناتها الوراثية كعنصر مفكر، ولكنه ممنوح بشهادة موقعة من الرجل.

والمرأة قبل ذلك، مُجبرة على الاحتماء بمؤسسة الزواج، ليس لأنهاتوفر لها شروط الراحة والهناء، وإنما كونها توفر لها الحمايةوالأمان، حيث ظلال الرجل، يا أصحاب النعل واللحى المسترسلة، تقيها من الاتهامات المجانية.

أما الأقوال المأثورة، بشأن تحقير وشيطنة المرأة، فبالعشرات، على غرار “إذا عجز إبليس فيِ التسرّب الى مكان أرسل امرأة”، و”لا تستخدم الأنثى عقلها إلا لإلحاق الأذى” و” الثقة منعدمة في المرأة حتى وإن ماتت”، و” المرأة الملاك ليست سوى هلاك”، وغيرها من الأمثال الناقمة على المرأة.

ولعلم التيار الإسلاموي، أن الإصلاح ضمن كل هذه المراتب المُنحطة للمرأة، قادم لا محالة، وأنه لو نجح اليوم في تعطيله، فلن يكون بمقدوره إيقافه، لأن المساواة والعدالة الاجتماعية حق،والحقوق كما علمتنا كتب التاريخ الإنساني لا تضيع، فيماتكريس الخداع، وتسويق الكذب والسراب، فعُمره قصير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى