الأخبارمجتمعمستجدات

محمد زيان وصورة “الخِسَّة والمَهانَة”

الخط :
إستمع للمقال

ما أسمج لبنى الفلاح وهي تُطالب المخزن، بدون خجل، بأن يُصلح ما أفسده الدَهر في سحنة محمد زيان الشاحبة بفرط السنين، وبسبب نَقص الكُحول في نياط القلب والشرايين.

وما أغرب أن يَرمي مَوقع الحياة اليومية بِكُرة المسؤولية في مَلعب القضاء والأمن، مُحَمَّلا إياهما انتشار الشِيب الأبيض في غرة محمد زيان، بعدما حال السجن بينه وبين طِلاء الشَعر وصِباغة الناظر والحاجب.

فهل كان محيط زيان يُمني النَفس بأن يَضطلِع المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الادماج بدور “العَطَّار” الذي سيُصلح ما أفسده الزَمان في جِسم النقيب السابق؟

وهل كانت لبنى الفلاح تَعتَقد واهمة بأن إدارة سجن تيفلت أو العرجات سوف تَصرف من المال العام، الذي سَرقه محمد زيان، لكي تُرمِّم شُحوب الرجل بالنفخ بواسطة “البوطوكس”.

أم أنها كانت تَتوهَّم أن مُستوصف السِجن سَوف يُجري عملية “الفيلر” لملء الأخاديد الجلدية التي تَسبَّبت فيها تَقرُّحات الزمن على ملامح زيان.

إنها دُروس الطبيعة والبيولوجيا وعاديات الدهر. فكل شيخ ستَعتريه التجاعيد، ويَشتعل رأسه شيبا، وكل إنسان يَبدأ ضعيفا ويَنتهي حيث انتهى محمد زيان وأكثر.

فكفانا تأويلات دوغمائية لصورة رَجل قَضى ثمانية عُقود من عمره، في العَبث والمُجُون والجُنون، ولَعِبت به البيولوجيا مِثلما تَلعب بكل إنسان كَهل على هذه البسيطة.

وقديما قال زهير بن أبي سلمى “سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش ثَمانينَ حَولاً لا أَبا لَكَ يَسأَمِ”، وقريبا قال محمد المهدي الجواهري ” لم يعد عندي ما يبتزه الألم.. حسبي من الموحشات الهم والهرم”.

ومن المُفارقات المَنطقية أن كِلا الشاعرين قالا هذا الكلام المعقول في نفس سِن محمد زيان، وتَحديدا عندما تَخطَّيا سن الثمانين، الذي تَنتهى معه نَضَارة الوجه وسنا الشباب، ويَحل مَحلَّهما الشِيب والشُحوب مِثلما ظهر محمد زيان بدون مَساحيق التجميل.

لكن بَعيدا عن تَصرُّفات الدَهر في جَسد محمد زيان، دَعُونا أولا نتساءل مع مُحيط الرجل عن تَجلِّيات “العِزة” في صورة مُذنِب يُساق مُصَفَّد اليدين إلى غرفة الجنايات بسبب جرائم يَندى لها الجبين؟

فهل العِزة هي أن يَتصابى الإنسان في خَريف عمره، ويُغرِّد شاديا مُتحرِّشا بالإنجليزية بِمُوَكِّلة حَضرت إلى مكتبه طامعة في المؤازرة القانونية؟

وهل العِزة هي أن يَسرِق محمد زيان أموال الشعب من الدعم الانتخابي، ويتم خَفرُه نحو المحكمة مُطأطأ الرأس، مَنكوس الهِمة، شاحب السحنة، آثم الجريرة؟

إنها صورة الخِسة وليس العِزة. ولكن اللَّوم في هذه المهانة والذلة والانتكاسة لا يتحمله محمد زيان كشخص مُقيَّد الحرية بحكم القانون، وإنما يَتحمَّله من قام بالتشهير به، من مُقرَّبيه، مُعتقدا بجَهل ورُعونة أنه يُدافع عنه.

فنَشر صور وتسجيلات الخِسة لمحمد زيان هو ضَرب من ضُروب التشهير، وخَرق مُمنهج لحقوق الإنسان، أيا كان ناشر هذه الصور والتسجيلات، حتى وإن كانوا من مُقرَّبيه مِمَّن يَدَّعون المُنافحة عنه.

فالتشهير يَختلف عن “التَبليغ” كما ادعى أصحاب صورة الخِسة المنشورة. فالتشهير يتمثل في النشر بدون رضا الشخص المعني، ويُتعمد تصويره في وضعيات غير سليمة، وهو ما حدث مع محمد زيان، بينما التبليغ يَكون لسُلطة رَسمية بِغَرض رَفع ضر أو تفادي حادث أو لكشف حقيقة معينة.

وإذا كان هناك من شيء إيجابي في مقال صور الخِسة لمحمد زيان، فهو أنه دَحض بشكل قاطع مَقاصد “الخَوف والتَخويف” في تلك الصور المنشورة! وهو بذلك يَرُد على أحد الصحافيين الذي تَجسم الخوف في شريط محمد زيان، وانبرى يَنشُر هَلوَسات ومُتلازمات الخوف في صورة لم تَصدح سوى “بالخِسة والمَهانة وعَبث الدَهر بالإنسان”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى