كيف وصل هول الصدمة الكروية بالجزائر إلى حد المطالبة بتنكيس العلم الوطني وكأن البلاد أصيبت بكارثة شُؤمى
الخنوع.. التخاذل.. الانبطاح.. المهانة. اختلاف الصحف والمواقع الإعلامية الجزائرية في الخطوط التحريرية، لم يمنعها من الالتقاء في جملة من النعوت والصفات المُذلّة التي ألصقتها بمنتخبها الوطني وهو يغادر كأس إفريقيا 2023 في أطوارها الأولى، حتى إن الكثير منها أعلنت الحداد على صفحاتها، بل منها من طالب بتنكيس العلم الوطني وكأن البلاد أصابتها كارثة شُؤمى، أو فقدت رمزا من رموزها الوطنية. ونحن فلا يفوتنا التعبير هنا عن أصدق مواساتنا لهم في مصابهم الكروي الجلل الذي جاب الكثير من الأمصار والأقطار.
أما الجماهير الجزائرية، فلا تجد كلمات أقوى من الصاعقة للتعبير عن هول الصدمة التي أصابتها، وهي التي جعلت من كرة القدم، تحت عملية تنويم مدروسة من قبل النظام “العسكري السياسي”، عقيدتها الأولى التي بها يقاس مجد الأمة وشرفها، وأصبح ولاؤها لهذه اللعبة يفوق ولاءها للجزائر ولرموزها الوطنية.. كرة القدم التي وظفها النظام الجزائري في عملية تخدير واستقطاب فاشلة، وأوهموا الجزائريين بأن الهزيمة هي مهانة وإذلال لأمة بكاملها وتدنيس لشرفها وهيبتها، فيما الفوز يمثل حياة بكاملها بما فيها من عزّة ومناعة و”قوة ضاربة”، حسب تعبير الضارب عبد المجيد تبون.
ويأتي الإعلام الجزائري بصنفيه الرسمي والمأجور ليجعل من كرة القدم مادة خصبة ورصيدا يتغذى منه، مستغلا بذكاء فترات التخدير المتزامنة مع الكؤوس القارية التي ينسى فيها الجمهور أوضاعه المزرية في دولة مثقلة بكل أنواع الأزمات الاجتماعية والإنسانية. يأتي هذا الإعلام ليربط سبب الكارثة العظمى والداهية الشؤمى التي لحقت بالأشقاء الجزائريين، ليس فقط بتخاذل المنتخب الجزائري وانحطاطه، ولكن أيضا وبالأساس، بالأداء المتميز للمنتخب الجار، خلف المدرب وليد الركراكي “سير سير نحو النصر والتيسير”.
ولم يثبت في تاريخ العلاقات المغربية الجزائرية أن بلغت شحنة العداء للمغرب مثل هذا المستوى المنحط من الحقد والضغينة، ومن الزندقة السياسية الرسمية التي يغديها الإعلام الجزائري بسيل من المغالطات والأكاذيب تنهل من قاموس القاذورات التي يتلفظون بها على مدار اليوم بغاية خلط الأوراق الرياضية مع السياسية، وإخماد وهج الارتباط القوي بين الشعبين المغربي والجزائري.
لقد راهن الرئيس عبد المجيد تبون ومعه الحاكم الفعلي للجزائر الكبران شنقريحة، على فوز جزائري ثمين يلهيان به الشعب الجزائري من جهة، ويمنح من جهة أخرى، لساكن قصر المرادية نقط ارتكاز قوية في معركته الانتخابية القادمة التي سيكون محورها الرئيسي بالتأكيد، المغرب الجار، ضمن حملة شوفينية كاذبة مستوحاة من البروبغندا الإعلامية القائلة: “كلما كبرت الكذبة كان تصديقها أسهل”، أو “ضخموا الكذبة وكيفوها حتى يصدقها الناس”.
ومن هول الصدمات المتتالية التي أصابته وهو ينظر إلى منتخباته الكروية بكل الفئات تُمنى بالهزائم تلو الأخرى في الملتقيات القارية والدولية، وانعكاسات ذلك على شعبيته، ولأنه لم يجد ميدانا يسجل فيه انتصارات ولو وهمية لتطمين شعبه وكسب ثقته، غير كرة القدم، فقد اهتدى بإيعاز من محيطه الرئاسي، إلى تحويل المعركة المصطنعة بعد أن خسرها سياسيا ودبلوماسيا مع الجار المغرب، إلى الساحة الرياضية والركوب عليها بغاية خلط الأوراق وزرع بذور الشكوك في الجسد الرياضي الإفريقي بمزاعم تافهة على شاكلة أن فوزي لقجع هو الآمر والناهي في الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، وأن المغرب ضم إلى صفوفه عن طريق أموال المخدرات جميع أصحاب القرار الرياضي الإفريقي والعالمي، وما إلى ذلك من تُرهات وإن صدّقها الجمهور الجزائري تحت مفعول شحنات الأقراص المُنومة، فقد أثبتت محدوديتها في الحشد والاستقطاب على مستوى الجمهور الإفريقي.
وحتى إن كان محيطه يشهد له بدهاء ومكر ناذرين، فقد فاته، أي عبد المجيد تبون، أن الضمير الرياضي الإفريقي شبّ بما فيه الكفاية، وهبّت على القارة السمراء نسائم الوعي والاستبصار، مع انبثاق جيل جديد لم تعد تطربه أبواق الدعاية الجزائرية، ولم يعد يقبل بالهبات والعلاوات التي كان يتقاضاها بعض رؤساء الجامعات الإفريقية بصورة منتظمة من خزينة الدولة الجزائرية.
ومن هنا فإن اللعب في الميدان الرياضي الإفريقي سيكشف عورة النظام “السياسي العسكري” الجزائري الذي استنزف مئات المليارات من الدولارات طيلة نصف قرن من الضحك على الشعب الجزائري وعلى شعوب إفريقيا، ومن المتاجرة في سوق النخاسة الإفريقية باعتماد بروبغندا مدروسة يتزعمها اليوم الرئيس تبون نفسه، بعد أن احتسب له المجلس الأعلى الجزائري للسمعي البصري، 17 تدخلا إعلاميا خاصا بجواره الجغرافي كمعدل شهري في الفترة الممتدة من فاتح يوليوز إلى 30 دجنبر من السنة الماضية، وهي نسبة تجاوزت بثلاثة أضعاف المعدل العام للتدخلات الرئاسية منذ الاستقلال إلى اليوم.
والآن وقد أنتجت بعض التحولات الديمقراطية التي تعرفها القارة الإفريقية سياقا جديدا للتعامل مع ملف الصحراء، زاد من مصداقيته الدعم الدولي والإفريقي المتزايد لموقف المغرب، يحق لنا نحن المغاربة أن نتساءل أين نحن من هذا المنحى الجديد للدبلوماسية الرياضية الجزائرية البئيسة؟ هل سنظل في موقف المتفرج على ما سيؤتيه من نتائج ومضاعفات على القضية الوطنية، أم أننا سننتقل إلى المعاملة بالمثل؟. ولماذا ترفض الدبلوماسية المغربية إلى اليوم الإصغاء لضمير الشعب المغربي الداعي، فيما يشبع الإجماع، إلى تبني دبلوماسية هجومية داعمة بشكل علني لثمانية مليون من مواطني القبايل يعيشون منذ عقود تحت وطأة الاحتلال الجزائري.
أليس من الأولى بنا أن ننتقل إلى دبلوماسية هجومية تجابه خصومنا بنفس المبادئ التي يتشدقون بها.. دبلوماسية فاضحة لأطماع رؤساء الجزائر من الانقلابي الهواري بومدين إلى المزاجي عبد المجيد تبون الذي لا يكف عن التطاول على المغرب وعلى المؤسسة الملكية بعبارات دنيئة لا تليق برجل دولة. نقولها ونعيد قولها مرات ومرات: ليس هناك من رادع للطغمة المتسلطة في الجزائر سوى المواجهة على قاعدة المعامل بالمثل.