كيف اهتدى الرئيس تبون إلى بناء حملته الشيطانية على تخويف الجزائريين من الحرب التي “يُجهّز لها المغرب بمعية إسرائيل”؟
فهمت منذ أن شبَّ ضميري السياسي والإعلامي، كما فهم معظم الناس، أن السياسة خداع ومكر وتزوير للوعي، أو كما قال عنها الإغريق “فن الكذب تحت تصفيقات الناس”. لكني لم أكن أتوقع أن تنحط اليوم في زمن السفالة، إلى ما دون الانحدار الخُلُقي الجاثم على منظومة القيم والمبادئ الإنسانية، كما هو شأن الثنائي الحاقد، الرئيس الواجهة، عبد المجيد تبون، ودينامو الحكم في الجزائر، الكبران سعيد شنقريحة.
انحدار خُلُقي قوامه تزوير الوعي بأقراص انتخابية مسمومة على شاكلة “صوتك مقابل إنقاذك من غزو وشيك يُجهّز له المغرب وإسرائيل”. هكذا يتم تخويف الجزائريين من “الغول المغربي” القادم لابتلاعهم، والظهور بمظهر المُنقذ القاهر له ولأطماعه التوسعية. سلوك بغيض ينم عن توجّه شيطاني أسس له الثنائي شنقريحة وتبون، في ليلة لا يمكن أن تكون إلا ماجنة، أخذ فيها السُّكْر الثّمِل مأخذه، فأفتى بفكرة تخويف الجزائريين من المغرب، من خلال عملية شحن ممنهج لشريحة واسعة من محدودي المعرفة والثقافة من أفراد الشعب الجزائري. فكرة تنطق بسلوك زنديق عديم الأخلاق، وبعيد كل البعد عن ثوابت الجوار وقواسم اللغة والدين والمصير المشترك.
كيف تفتقت عبقرية الثنائي الشيطاني، لتبيضَ مخططا بهذا القدر من التنبؤات الكهنوتية القائلة بعدوان وشيك يشنه المغرب ومعه إسرائيل على الجزائر؟ الجواب على هكذا سؤال يقتضي وقفة فاحصة للعقيدة الكيدية التي سكنت وجدان الطغمة العسكرية الحاكمة منذ 60 سنة، أي منذ حصول الجزائر على لقب دولة بمواصفاتها القانونية الثلاثة: التراب، السكان والإدارة. أقول الطغمة العسكرية لأن الرئيس تبون ما هو في الحقيقة إلا قطعة غيار ظرفية متعددة الوظائف، في آلة عسكرية ضخمة لها مهندسوها وأسلوبها في تكييف الكذبة حتى يصدقها الجزائريون.
فلم تمر سنة على ميلاد الجزائر، حتى نطق العسكر بتهمة باطلة تقول بمساندة المغرب لانتفاضة الحسين آيت أحمد، ضدا على الهواري بومدين وأحمد بن بلة، وهي اتهامات باطلة مهدت لما سيقع من أحداث أدت إلى حرب الرمال (1963). اتهامات شبيهة بتلك التي أطلقها عبد المجيد تبون بشأن وقوف المغرب وراء حرائق غابات مناطق القبائل، وأخرى أطلقتها الخارجية الجزائرية بخصوص ما أسمته ب”السطو” على عقارات تابعة لها، وقبلها اتهام المغرب بالقيام ب”أعمال عدائية” ضد الجزائر، واتهامه أيضا بدعم واحدة من الجماعات التي تطالب باستقلالها في منطقة القبائل، وما إلى ذلك من الاتهامات الناطقة بروح عدائية تصعيدية، تسعى إلى تغذيتها اليوم، حملة تبون الانتخابية التي وضعها تحت شعار: “لنتجنّد جميعا ضد الخطر القادم من المغرب”.
ولا أظننا بحاجة لتخصصات في علم النفس أو في علم الاجتماع السياسي، لنستنبط بعض العوامل النفسية والسياسية التي دفعت الرئيس تبون، بإيعاز من العسكر، إلى بناء حملته الانتخابية السابقة لأوانها، على عدو افتراضي يتربص ببلاده، اسمه المغرب.
وأهم هذه العوامل، برأيي، وضعه الصحي الجاثم على وضعه النفسي، حيث الحالة الصحية للرئيس الجزائري، المقبل على انتخابات رئاسية ثانية وعمره يقارب الثمانين سنة، تثير الكثير من المخاوف بسبب معاناته من وهن متزايد، ومن حالات إغماء منتظمة نتيجة مضاعفات إصابته بفيروس كورونا. ومن المعتاد، شافاه الله، أن تشهد حالته الصحية تدهورا، بين الفينة والأخرى، من مستقرة إلى خطيرة وحتى خطيرة جدا، قد تمنعه نهائيا من مزاولة السلطة، وهو ما يزيد من تأزم حالته النفسية في تعامله مع محيطه الداخلي من معارضين أودع معظمهم في السجون في سياق إجهاض الحق في الرأي الآخر، وفي انتقاد السلطة ورموزها. وامتد التأزم النفسي ليطال محيطه الجغرافي القريب، وما نجم عنه من قرارات مزاجية عدائية. ومن هنا، لا يمكن لأحد إنكار ما لهذين الوضعين، الصحي والنفسي المُختلّين، من انعكاس وتأثير على علاقة الجزائر بالجار المغرب.
وما يزيد الوضع النفسي للرئيس تبون تأزما، استياء شريحة واسعة من أفراد الشعب الجزائري من رئيسهم الذي هو في نفس الوقت الوالد الشرعي لابن يدعى خالد تبون، زعيم مافيا المخدرات ببلاده. وقد حُكم عليه بسنتين نافذتين كان سيقضيها خلف القضبان، لولا إطلاق سراحه بمجرد تولي والده الرئاسة.
عامل آخر وراء مؤامرة تخويف الأشقاء الجزائريين من “العدو”، المغرب، ويكمن في كون أي تصالح بين البلدين، سينجم عنه لا محالة بلورة مشروع الاتحاد المغاربي، الذي هو حلم شعوب المنطقة. وهو أمر لن يقبل به صديقنا تبون على اعتبار أن القواسم المشتركة في اللغة والدين والانتماء، وإن كان لها بالتأكيد أهميتها في بناء الصرح المغاربي، فلا يمكنها أن تُلغي الجسر الديمقراطي الذي سينبني عليه هذا الاتحاد، وهو جسر هش تعتريه الكثير من النواقص في ظل النظام العسكري الذي حكم الجزائر منذ نشأتها إلى اليوم. نظام تحكمه عقيدة متعارضة مع الديمقراطية، تقول بإعلاء مذهب الثورة والتحرير على مذهب الديمقراطية. ولا غرابة هنا أن ترتفع أعداد “الشهداء المجاهدين” في الجزائر الشقيقة من رئيس لآخر، بدأت بمئة ألف شهيد في عهد الرئيس بن بلة، وتحولت إلى مليون شهيد في عهد الشاذلي بنجديد، ثم مليوني شهيد في إحصائيات عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن تصل الأعداد إلى خمسة ملايين شهيد، كما أحصاها الرئيس تبون، علما أن عدد سكان الجزائر في 1963، لم يكن يتجاوز عشرة ملايين نسمة.
وحتى لو استثنينا هشاشة الديمقراطية بالجزائر، فإن أيا حاكم في موضع الرئيس الجزائري الحالي، لن يقبل بصرح مغاربي مُربح للمغرب باقتصاده الحُرّ القائم على المبادرة الخاصة، ولا ثروة أخرى غيرها. أما الجزائر التي تعتمد بنسبة تفوق 90% على صادرات الغاز والنفط، فلا مصلحة لها في اتحاد يعود بالنفع الوفير على المغرب في المقام الأول، ومن بعده تونس.
عوامل أخرى لا يتسع المجال لذكرها ستجعل المغرب، لا محالة، محور الحملة الانتخابية للرئيس الجزائري، بما يسهم في إخماد وهج الارتباط بين الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري، ويغذي مشاعر الكراهية والعداء بينهما.