الأخبارركن الميداويغير مصنف

كيف انقلب المعسكر المحافظ على المرأة بعد أن تباكى في كل حملاته الانتخابية على حقوقها الضائعة؟

الخط :
إستمع للمقال

ماذا لو كانت أيامنا كلها انتخابات لننظر بشيء من المتعة الممزوجة بالحسرة والتقزز، كيف يتباكى مرشحو المعسكر المحافظ على حقوق المرأة الضائعة في الشغل، وفي البيت، وفي كل مناحي الحياة. المرأة التي يعتبرونها، لحظة التسوّل الانتخابي الركيزة الأساسية لبناء المجتمع وتحصينه، يحاولون اليوم تخويف الشباب منها، لأنها ستكتسب بعض الحقوق الضائعة، بعد نضال عمره ستين سنة ويزيد.

أصوغ هذه المفارقة لأشرح كيف أن السياسة هي مكر وتزوير للوعي، وكيف أنها الوسيلة الناجعة للتيار الإسلاموي لسرقة السلطة باسم الدين، من خلال توجيه المشاعر والقناعات الدينية نحو أهداف إيديولوجية وديماغوجية، تروم التشكيك في الإجماع الروحي الوطني، حول الثوابت الدينية والعقائدية.

ولأنها مهنة ملعونة تتيح لصاحبها قول الشيء والانقلاب عليه، حال كسب أصوات الناخبين بعد سيل من الوعود الكافية لاقتحام قلوبهم، وتحويلها إلى الهدف المنشود، فقد اجتهد معسكر المحافظين الإسلامويين، منذ خوضه أول انتخابات إلى اليوم، ضمن عمليات تسوّل انتخابي مثير للشفقة، في إضفاء طابع نسوي على حملاتهم لكسب أصوات النساء اللواتي يشكلن أزيد من 50% من النسيج السكاني المغربي. فمنهم، في الدائرة الفلانية، من أثنى على دورها الكبير في تفعيل المجتمع وصقله بقيم متطورة تنشد التغيير، ومنهم، في المقاطعة المجاورة من أشاد بمكانتها كشريكة مؤثرة وفاعلة في الحياة المعاصرة، ومجموعة ثالثة رافضة أن تُكرّس صورة المرأة المظهر، بدل المرأة الابتكار والتخيل والمسئولية؟

وفي كل حملاتهم الانتخابية، لم يفوّت أحد من هؤلاء المرشحين الفرصة، للإشادة بالمرأة التي “لا نهضة ولا حضارة بدونها”. ومع انتهاء الحملة، يشرع نفس المعسكر في الترويج، خفية وحتى علانية، بأن مكان المرأة الحقيقي هو البيت والمطبخ والأشغال المنزلية، وليس المجالس البلدية ولا الجماعية ولا النيابية، ولا حتى مواقع السلطة والمسئولية السياسية والإدارية، تكريسا لصورة المغرب في عمقه المحافظ، القائم على هيمنة السلطة الذكورية، وعلى صورة الرجل المُعيل لأسرته، والمرأة التي تعيش على سخائه وكرَمه.

وضمن هذا المسعى المُنقلب على مواقفه الانتخابية، يحاول المعسكر المحافظ تتْفيه دور المرأة، تمهيدا لوضعها في حجر صحي مستدام، خشية إصابتها بعدوى الوعي السياسي اللازم، لفهم الواقع الإسلامي والديني فهما واعيا ودقيقا.
فبمجرد صدور مقترحات تعديل مدونة الأسرة، التي تمنح للمرأة بعض الحقوق وليس جميعها، بادر معسكر المحافظين الرافض لمنطق الحداثة الذي يفرض نفسه على المجتمعات البشرية بحكم الحاجة إلى التطور، إلى تخويف الشباب من الزواج من المرأة التي ستنهَبه، والتي ستجد نفسها، هي الأخرى، مقابل الحقوق والمكاسب التي حصلت عليها، بدون زوج، بل قد يدفعها الأمر إلى دفع مهر كبير للرجل حتى يقبل بالزواج منها.
مقترحات تعديل مدونة الأسرة جاءت، بمنظور هؤلاء، للتضييق والضغط على الرجل، وما ينجم عن ذلك من عزوف وخوف من الزواج، ومن مضاعفات سلبية على المنظومة الأُسَرية بشكل عام. وهو منظور يرتكز، برأي الحداثيين، على الفكر الغيبي، ويستهويه التخبط والتنجيم المتعارض مع الواقع، ومع جملة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية الكامنة وراء عزوف الشباب عن الزواج، الذي انتقلت نسبته، قبل مقترحات تعديل مدونة الأسرة التي يتم التخويف منها، من 42 بالمائة عام 2011 إلى 70 في المائة سنة 2019، ولا يزال التصاعد مطّردا إلى اليوم، بحسب أرقام المرصد الوطني للتنمية البشرية، وهي مؤسسة حكومية.
قد لا يجادل أحد في كون تعديل مدونة الأسرة مهمة معقدة، بالنظر لتعدد الاجتهادات والمرجعيات، وتصادم المذاهب والقناعات، غير أن ما يجعل المشروع أكثر تعقيدا، هم فئة المحافظين الذي يريدون إدخال المغرب في جغرافيا معزولة، وبخطابات رجعية أو حتى متطرفة في فهم الدين.
هؤلاء يريدون أن تبقى السلطة في البيت وخارج البيت، سلطة ذكورية محضة، يقرر من خلالها الذكر المغوار، الطلاق على مزاجه، والرمي بالزوجة والأبناء إلى الشارع وفق أهوائه، مع تحمّل دريهمات، قيمة النفقة التي لا تكفي الأسرة المشردة مصروف أسبوع واحد. فيتزايد داخلها القلق والاكتئاب وعدم الاستقرار، ويمتد التوتر النفسي لدى الأبناء ليشمل العلاقة مع الآخرين، قبل أن يتحول لحالة انفعال دائمة، تؤدي في معظم الأحيان إلى الانحراف والتسكع والجريمة.

هؤلاء يمارسون العنف على المرأة قبل أن تولد، ويتخذون منها موقفا ظالما وهي ما زالت بعد فكرة. هي عار محتمل ووجع للرأس سيولد. هي بمنظور الكثير من العقليات المحافظة، أذى قادم إلى بيوتنا يتعين التعامل معه بما يشبه الحصار حتى لا يلحق العار بالأسرة.
ولادة الأنثى يا دعاة التضييق على المرأة، لا زالت تُستقبل بامتعاض في بعض بيوتنا، خلافا لازدياد البطل المغوار الأصيل الذي هو الطفل الذكر. ومنذ الولادة، تبدأ أول مظاهر العنف النفسي ضد البنت التي يرفض المجتمع المحافظ أن يشملها بحفاوة الاستقبال، كضيف أساسي، وشريك مؤثر وفاعل في السياسة والشغل والاقتصاد، وليس كائنا احتياطيا وجوده من عدمه سيان.

والمرأة قبل ذلك لا بد أن تحتمي بمنظومة الزواج، ليس لأنها توفر لها شروط الهناء والطمأنينة، وإنما كونها تحقق لها الكثير من الأمان والحماية، حيث ظلال الرجل ضرورية لتفادي الاتهامات المجانية، وسعادتها مرتبطة بمزاجه وأهوائه..
ومن كل هذا، لم تتخلص الأوساط المحافظة إلى اليوم، من نماذج السلطة الذكورية ومن الرجل الفحل الذي يتحكم على هواه، في حياة ومصير المرأة. ويبقى الكاطالوج العام للمغرب عبر عقود من الكفاح لمواكبة الاتجاهات الدولية، فيما يخص تكريم المرأة والإقرار بحقوقها، ضعيفا بل ومتأزما، قد تُعدّله بعض الشيء، مدونة الأسرة الجديدة، ولو كره المحافظون المتشددون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى