الأخبارركن الميداوي

كيف اكتشف كبار المصممين العالميين في “الأزياء الإسلامية” مجالا خصبا للابتكار والتميّز

الخط :
إستمع للمقال

“الجديد ليلو جدّا والبالي لا تفرط فيه”. هذه المقولة المغربية تجسدت واقعيا من خلال ما عرضه، ضمن فعاليات “أسبوع الموضة العالمية” بباريس، عدد من كبار مصممي الأزياء العالميين، من أمثال مارك لاكروا، وفانيسا برونو، وجون غاليانو، وسيلين غرافيي… وغيرهم، من أزياء تتنوع أشكالها تبعا للنظرة المبدعة لكل ما هو قديم، في محاولة إحيائه وإعادة تداوله، مستلهمين أفكارهم من الأزياء القديمة التي يتم إثراؤها بمجموعة من الإكسسوارات المواتية، لإعطائها زخما جماليا وتاريخيا في آن واحد.

وجديد “أسبوع الموضة العالمية” التي اعتادت “جامعة الموضة الفرنسية” تنظيمه في أواسط شهر يونيو من كل سنة، أن المصممين لم يقتصروا هذه السنة على الموضة المتمردة الشّكسة، بل ابتكروا أشكالا تقليدية ترمز إلى شيء من الاحتشام والحياء، وتحمل دلالات إسلامية قوية، بل منها من يحمل مارْكة “حلال”.

وقد اهتدى المصمم جون غاليانو إلى المزج بكثير من الثراء والتنوع بين إكسسوارات الموروث الشعبي كالنقوش والتطريزات، مع استعمال الألوان الفاتحة المتحركة والدّالة على أن أزياء المحتجبات المتناسبة مع التقاليد الإسلامية، هي أيضا مجال خصب للابتكار. وقد سار على منواله جيل جديد من المصممين الموهوبين الذين حاولوا الجمع بين العناصر الجمالية الحديثة وتلك المستوحاة من الأزياء الإسلامية في تصميماتهم المختلفة، جاعلين من “اللباس الإسلامي” الجاهز جزءا لا يتجزأ من برامج التطور والتسويق التي تركز عليها شركات الملابس الفاخرة.

وضمن هذا الإطار، حاول بعض كبار المصممين مثل فانيسا برونو، دمج التصميمات العربية في مجموعاتهم، مما يثبت قوة هذا الاتجاه الناشئ. وبالإضافة إلى صنع العباءات المزينة بالخرز الكريستالين، والتطريز، وأزهار الساتان، وغيرها من الحلي المُلون، عمد المصممون إلى استخدام أقمشة وألوان جديدة للفساتين والأزياء الشرقية الإسلامية، كما هو شأن المصممة الفرنسية، سيلين غرافيي، التي قدمت لباسا يجمع بين العباءة وغطاء الوجه في تصميم قرنفلي اللون مع سروال فضفاض بلمسات غربية أنيقة. أما المصمم الشهير كارتر فيليبس، فقد فضل الدخول إلى السوق الإسلامية باستخدام الأوشحة وغيرها من المنتجات.
وفيما يخص الموضة الذكورية، طرح المصمم الفرنسي، مارك لاكروا، مجموعة من سراويل الجينز “الإسلامية” التي صمّمها صممت لتتلاءم مع أداء الصلاة. والسراويل هي واسعة من جهة الخصر تساعد مرتديها على السجود أثناء الصلاة، وقد اعتمدت في نسجها خيوطا خضراء، لما للون الأخضر من دلالة عند المسلمين، وعند المتصوفة بشكل خاص.

وحسب توقعات جامعة الموضة الفرنسية، يمكن لقطاع صناعة الأزياء الإسلامية مواصلة توسيع نطاق وجوده عالميا، وذلك عقب سنوات عدة من الإقبال المتزايد والدعم المتواصل من قبل أبرز رموز الموضة والأزياء.
وتصل قيمة مبيعات بعض الأزياء الإسلامية ذات التصميمات الفاخرة ما يقارب ألف أورو، ويبقى الطلب عليها في تزايد مستمر، نظرا للنمو الاقتصادي القوي الذي تشهده الأسواق الرئيسية، مثل باريس ولندن وروما وبرلين. وتصل قيمة مبيعات العباءات الرفيعة المصنعة في الشركات التي تتخذ من باريس مقرا لها، إلى ما يتراوح بين 1500 إلى 4000 أورو (ميون ونصف إلى أربعة ملايين سنتيم).

ويتوقع ذوو الاختصاص نموا في قطاع صناعة الأزياء، بشكل عام، بنسبة 10 % بحلول العام 2030. وتأتي صناعة الأزياء في صدارة التجارة العالمية رغم الغلاء الذي طال معظم منتجاتها، فيما كشفت مجلة “لوبوان” الفرنسية، أن تجارة الملابس الداخلية التي تتحكم في السوق العالمية، تشهد حالة ازدهار حقيقية في فرنسا التي اشترت نساؤها وحدهن، نحو 60 مليون قطعة ملابس داخلية. وظهرت في الأسواق أزيد من مئة علامة تجارية جديدة، رغم وجود نحو 520 علامة، تحقق مبيعات مذهلة تفوق تجارة السلاح، لدرجة جعلت الجميع يرون أن قطاع الملابس الداخلية، هو القطاع الخارق في عالم الموضة.

ولأن الموضة لا تقتصر فقط على الأزياء النسائية والذكورية بأشكالها المختلفة، بل تتعداها لتشمل المنسوجات، والإكسسوارات، والساعات، وأغطية الرؤوس، وجميع ما له علاقة بأناقة الرجل او المرأة مثل النظارات الشمسية، وأربطة العنق وغيرها، فإن “جامعة الموضة الفرنسية”، المؤسسة الرائدة عالميا في مجال الأزياء والموضة، التي اكتشفت في أغطية الرؤوس بمختلف أشكالها، منجما ذهبيا في مجال الأناقة النسائية والرجالية استضافت، هذه السنة، المصممة كارولين جونان، لتُنظم على هامش “أسبوع الموضة العالمية”، معرض “إكسسوارات الرأس” الذي يتيح معرفة الانتماء العرقي والهوياتي للمجتمعات من خلال ما تحمله رؤوس أصحابها. فمن القارة السمراء بطواقيها الضاجة بالألوان الزاهية، إلى أمريكا بالطرابيش المكسيكية العريضة، وطرابيش رعاة البقر، يرصد المعرض القيمة الاجتماعية والتراثية لأغطية الرؤوس التي يرى فيها البعض رمزا للأناقة، وآخرون يضعونها في صميم الهوية الدينية والثقافية، فيما توظفها بعض الشعوب للاحتماء من الحر والبرد، وتذهب شعوب أخرى، وفي مقدمتها الشعوب العربية إلى حد اعتبارها تيجان الإسلام، ورمزا للمهابة والشرف، مما يخولها مرتبة عالية للغاية. وكلنا يحفظ حكاية الشيح الذي سقط من على جواده في أحد شوارع بغداد، فتدحرجت عمامته إلى الأرض، والكل من حوله يصيح، ارفعوا تاج الإسلام، دون أن يبالي أحد بشيخ الإسلام.
وتختزل القطع المعروضة بذوق وحس رفيعين، المسار المتميز لهذه المصممة الفرنسية التي تنهل مكونات أعمالها من بيئات وثقافات مختلفة، تضيف عليها بعض اللمسات في النسق الشكلي، دون المساس بجوهرها، وبالبيئة التي ولدت وترعرعت فيها.

ويضم المعرض في رواقه الخاص بالرجال، مجموعة من الطرابيش الأسترالية صارخة اللون، وطرابيش رعاة البقر الأمريكيين (الكاوبوي) التي كانت مدعاة للجمال والقوة، قبل أن تتحول إلى عنوان للأناقة الهوليودية، وأيضا طرابيش الكنيسة السائدة في عصر النهضة، وغيرها من أغطية الرؤوس المنتشرة في تركيا وآسيا على الخصوص.

وتتجاور في الجهة اليمنى للقاعة، الطاقية المراكشية، في تناسق مع الطربوش التونسي بعذبته المدلاة، والطاقية الإفريقية بأشكالها المختلفة، والكثير من الطواقي والعمائم التي تنطق بهوية أصحابها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى