رياضة

كأس العالم بالبرازيل بين الرهان التنظيمي والإحتقان الإجتماعي

الخط :
إستمع للمقال

أشرف طانطو

لا تفصلنا سوى ساعت قليلة عن إنطلاق كأس العالم 2014 بالبرازيل  أكبر تظاهرة كروية بالمعمور ، حيث سيتبارى 32 منتخبا يضم ألمع نجوم القارات في النسخة العشرون من بطولات كأس العالم، حيث  سيكلف ميزانية الدولة 13 مليار دولار ، مبلغ أكبر من ضعفَيْ القيمة التي صرفتها جنوب إفريقيا على احتضان البطولة عام 2010 وأكثر من خمسة أضعاف ما أنفقته ألمانيا عام 2006.

ونظرا للهشاشة الإجتماعية التي يعيش فيها عدد كبير من البرازيليين ، أطلقت هذه التكلفة المالية العنان لإعتراضات شعبية عارمة ، فيها الكثير من العنف ، بمدن عدة أبرزها العاصمة الإقتصادية  ريو دي جانيرو التي تصنف ثاني أكبر المدن بالبلاد، إذ نجد 21.4% من الشعب  يعاني الفقر ويعيش 4.2% تحت عتبة الفقر.

مظاهرات  شعبية بالجملة

طغت الاحتجاجات المناهضة للحكومة البرازيلية ، من جديد ، في شوارع ريو دي جانيرو خلال مؤتمر صحفي ( أقيم مساءالاثنين 9/06/2014  ) سعت خلاله الحكومة للترويج لاستعداداتها لتنظيم كأس العالم 2014 الذي لم يتبق على انطلاقته سوى يومين فقط.

هذه الإحتجاجات تسببت في عرقلة حركة المرور في كوباكابانا، مع وصل  وزيرة الثقافة البرازيلية (  مارتا سوبليسي  ) ووزير الرياضة ( ألدو ريبيلو )، وهتف خلالها مئات العمال المضربين عن العمل ضد الحكومة وعرضوا لافتات كتبوا عليها  ( نحن لا نريد كأس العالم ) وأثارت اشتباكات بين الشرطة وعمال المترو في مدينة ساوباولو الأسبوع الماضي مخاوف من تكرار الاحتجاجات التي حدثت العام الماضي وذلك عندما ينطلق المونديال هذا الشهر.

هذه التظاهرات المناهضة لاستضافة المونديال لم تبدأ البارحة فقط ، بل منذ العام الماضي وطوال هذا العام ، فقبل حوالي 3 أسابيع هاجم متظاهرين حافلة تقل لاعبي منتخب بلادهم متوجهة  لمعسكر التدريب،  مرددين هتافات مناهضة للبطولة. إضافة إلى إضراب المعلمين في مدينة ريو دي جانيرو من 12 ماي الماضي 2014 للمطالبة بتحسين الأجور وظروف العمل.

كذلك رفض لاحتكار شركة واحدة حقوق البث التلفزيوني وبيع منتجات الفيفا الرياضية، بسبب المبالغ الباهظة التي اُنفقت على منشآت البطولة، في حين تحتل البرازيل المرتبة 127 في العالم في التوزيع غير العادل للدخل وتعاني من نسبة فقراء مرتفعة. لذلك انطلقت تظاهرات ضخمة في صيف 2013، خلال استضافة البرازيل كأس القارات. فقد نزل إلى الشارع أكثر من 200 ألف محتج ليطالبوا حكومة بلادهم بالاهتمام بالفقراء وتوفير الطعام والمال لهم بدلا من الإنفاق على المونديال.

  تهديدات مرضية وانتشار للعدوى

صدرت تقارير صحية أخيرة ، عن وزارة الصحة البرازيلية ، عن مخاوف إنتشار حمى الضنك   ( la Fièvre Dengue) التي أصابت أكثر من 1.4 مليون مواطن برازيلي في العام الماضي. حيث انتشرت العدوى الفيروزية التي ينقلها البعوض بشكل واسع الشهر الماضي في مدينة ساو باولو São Paulo المستضيفة لافتتاح البطولة.

مخاوف تزداد ، إذا علمنا أن عدد السياح في البرازيل  سيتخطى الـ6 ملايين خلال الصيف.

وبالرغم من طمأنة السلطات البرازيلية السياح بأن الفيروس تحت السيطرة، تحدثت تقارير نشرت في مجلة ( ذا لانست ) الطبية عن مستوى خطر عال في المدن الشمالية الشرقية كريسيفي وناتال وفورتاليزا ، ومستوى خطر متوسط في مدن أخرى مثل ريو دي جانيرو وسلفادور.

وللمعلومة فقط فحمى الضنك النزفية هي أمراض حمّية حادة, توجد في المناطق المدارية حيث تعتبر من الأمراض المدارية المهملة, ويسببها أربعة أنماط مصلية متقاربة من جنس الفيروس المصفر (flavivirus) من عائلة الفيروسات الخيطية وتعرف أيضا بحمى العظم المكسور. يشمل انتشارها الجغرافي شمالي أستراليا, وشمالي الأرجنتين, وسنغافورة بأكملها, وماليزيا, وتايوان, وتايلاند, والفيتنام, وإندونيسيا, وهندوراس, وكوستاريكا, والفيليبين, وباكستان, والهند, وسيريلنكا, والبنغلاديش, والمكسيك, وسورينام, وجمهورية الدومنيكان, والبرازيل, وغويانا, وفنزويلا, وباربيدوس, وترنيداد وسامو.

وعلى خلاف الملاريا؛ فإن حمّى الضنك سائدة في المناطق الحضرية كما هي في المناطق الريفية.

تقول منظمة الصحة العالمية أن حوالي اثنين ونصف مليار شخص معرضون لخطر الإصابة بالضنك، وتقدر أنه قد يكون هناك خمسون مليون حالة من الضنك في العالم كل سنة. وحمى الضنك الآن مرض متوطن في أكثر من مائة بلد.

 الأمن متذبذب

في ظل الأزمات الإجتماعية وتوتر الأجواء العامة ، الكل يتوقع حدوث مظاهرات عديدة ، أثناء البطولة ، على غرار ما حدث خلال السنتين الماضيتين إلا أن التحديات الأمنية في المونديال لا تتوقف عند هذا الحد. فالبرازيل تعاني من انتشار الجريمة والعنف وتشهد نحو 50000 جريمة قتل سنوياً.

شيء اضطرت معه  الحكومة الى انفاق قرابة 860 مليون دولار على العمل الأمني. إذ ستنشر حوالى 170 ألف عنصر من قوات الجيش والشرطة وقوات الأمن بالإضافة إلى استعانتها بـ2000 شركة أمن خاصة صغيرة.

وقد أعلن وزير الدفاع خطة أمنية توفر فيها القوات البحرية 13 ألف عنصر وسفينة حربية و21 زورقاً بينما ترسل القوات الجوية 24 طائرة من طراز سوبر توكانو وثلاث طائرات رادار و11 مروحية.

سوء الخدمة الفندقية وفساد الأطعمة

في مثل هذه التظاهرات العالمية الكبرى ، تركز الأنظار كثيرا على جودة الخدمات الخاصة بالتغذية والمبيت من أطعمة وفنادق موجهة للسياح . وهذا أمر مهم تعتمده الفيفا كمعيار مادي ملموس في العملية التنقيطية النهائية لمدى نجاح تنظيم العرس العالمي أم لا.

في هذا المجال تعاني البرازيل نقصا مهولا فللأسف فعلى صعيد الأمن الصحيي، منذ أقل من أسبوع ، صادر مسؤولو الصحة والسلامة في البرازيل أطعمة من فندقين يقيم في واحد منهما منتخب إيطاليا وإنجلترا بسبب انتهاء صلاحيتها. وصودرت أيضاً 50 كيلوغراماً من الأطعمة غير الصالحة للاستهلاك من فندق بورتوبيلو.

تكثر حالات التسمم في فنادق البرازيل التي تفتقر إلى رقابة متشددة في قطاع السلامة الغذائية والنظافة البيئية.

و يذكر أنه في السنة الماضية، أغلقت السلطات المحلية الشاطئ مؤقتاً نتيجة ظهور أعراض تسمم لدى 60 مصطافاً بعد سباحتهم في مياه شاطئ بوزيوسالسياحي في ولاية ريو دي جانيرو.

  ملاعب غير جاهزة الى الآن 

 

لعل الجانب المهم من بين كل التجهيزات والبنى التحتية ، الملاعب التي ستحتضن المباريات.

في هذا الصدد تواجه البرازيل سباقاً مع الوقت للانتهاء من تجهيز كل الملاعب المخصصة لمباريات كأس العالم في حين أعرب الاتحاد الدولي لكرة القدم أخيراً ، قبل أسبوعين من الان ، عن مخاوفه من عدم جاهزية ثلاثة ملاعب في البلاد لافتاً إلى عدم اكتمال الملعب الذي ستجري عليه المباراة الافتتاحية بين منتخبي كرواتيا والبرازيل. وقال الأمين العام للاتحاد جيروم فالكيه في تصريح صحافي أن الاتحاد بحاجة للالتزام الكامل من البرازيل لضمان أن كل الملاعب سوف تكون حاضرة وتم اختبارها قبل مباراة الافتتاحية.

ويذكر أن عدة حوادث حصلت في الملاعب أثناء التحضير لاستضافة البطولة أبرزها انهيار سقف ملعب ( أرينا فونتي نوفا Arena Fonte Nova  ) بمدينة سلفادور جراء تراكم المياه الصيف الماضي.

وما زاد الطين بلة إنهيارسكة حديد بمدينة ساوباولو البارحة الثلاثاء قبل يومين من انطلاق المونديال، إنهيار خلف خسائر في الأرواح قدرت بوفاة أكثر من شخصين وجرح اخرين.

عموما ورغم كل هذه المخاوف والسلبيات ، فإذا حللنا جيدا العقلية البرازيلية ومدى عشقها وشغفها بكرة القدم ، فإمكاننا أن نقول أن المواطن البرازيلي بمجرد إنطلاق منافسات كأس العالم سيتجه صوب الملاعب والتشجيع تاركا أسلوب الإحتجاجات والتظاهرات، جانبا حتى تنتهي أطوار المسابقة.

ويمكن أن نستشهد على هذا الإستنتاج بالقولة المأثورة التي يرددها الكثير في البرازيل :إن كرة القدم ليست الرياضة الأكثر شعبية بل إنها ديانة تعبد. هذا من جهة.

ولعل الأهم أن البرازيل ستجني أكثر من 20 مليار دولار في أقل من شهر وهو ربح كبير جدا إذا ما حللناه إقتصاديا وربطناه بالمدة القصيرة وما سيعم على الدولة من تدفق مالي مهم ، سيأتي من المراهنات ، السياحة ، والفوائد المالية الكبيرة المستخلصة من كبار الشركات والمستشهرين الذين يستغلون أحسن إستغلال مثل هذه المحافل الكرنفالية المونديالية. من مجال النقل التلفزيوني وهو المجال الأكثر نشاطاً وتأثيراً في الاقتصاد الجديد، فمن أرقام صادرة عن الاتحاد الدولي لكرة القدم ان قرابة ثلاث مليارات ونصف شخص من شتى أنحاء المعمورة، تابعوا المباراة النهائية لمنافسات كأس العالم في كرة القدم 2006 على الهواء مباشرة، وهي مناسبة لاقتصاد الإشهار وتقنيات التسويق للمزيد من التأثير في عادات المستهلكين وتحويلهم إلى منفقين بسخاء للآلة الاقتصادية الحديثة كرة القدم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى