ابتداء من ليلة الرابع والعشرين من شهر دجنبر، تنطلق مختلف الكنائس في العالم لتقرع أجراس الاحتفال بمولد السيد المسيح عليه السلام، كما تمتلئ المساجد والزوايا في كل بقاع العالم الإسلامي بالذاكرين للصلاة على خاتم الانبياء محمد صلى الله عليه و سلم.
وشاءت الأقدار أن يصبح العالم على موعد يوم 24 دجنبر من هذا العام باحتفالات المسلمين، لتنطلق بعد غروب الشمس من نفس اليوم احتفالات ذكرى مولد المسيح.
وفي تقاسم المسلمين والمسيحيين هذا اليوم فرحة الاحتفالات بذكرى الولادة أكثر من معنى. بالولادة عنوان البدء والأمل، و في البدء كانت الكلمة، وبالكلمة وحولها نجتمع، وعليها قد نختلف أيضا.
ولكن هذه الذكرى في هذا العام تتزامن أيضا مع الذكرى الاربعينية لتأبين ضحايا أحداث الثالث عشر من شهر نوفمبر التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس، ولذلك فهي قد تكون بالنسبة لكثيرين ذكرى حزن لكل من فقد عزيزا عليه في حوادث مثل التي شهدتها نيويورك والدار البيضاء ومدريد وغزة و القدس وحماة وحمص وبغداد و الفلوجة وباماكو وبنغازي و اللائحة طويلة ممن سقطوا ضحايا على أيدي غلاة الفكر و العقيدة والعسكر وأباطرة الاتجار بالسلاح والبشر و الأيديولوجيات المتطرفة.
ولكن قد تكون الذكرى فرصة للتفكير في المصير المشترك الذي يجمعنا فوق هذه الأرض التي أنهكها الإنسان بكبريائه و جبروته، فأفسد فيها بالقدر الذي جعلها تشكو منه، ومن غلوه في كل شيء.
نادرا ما تتزامن ذكرى مولد النبيين عيسى ومحمد! أحرى بنا إّذن، مسلمين ومسيحيين، أن نتوقف لحظة في هذا اليوم لنفكر في هؤلاء الضحايا الذين يتساقطون يوميا في الحروب و الكوارث و الانفجارات و الحوادث و الأمراض و حتى من الجوع أيضا.
وأحرى بنا أن نجعل من لحظة 24 دجنبر فرصتنا الأخيرة لنغلق الأبواب والأعذار عن كل الذين أجرموا باسم الكراهية وادعاء شرعية القتل باسم العقيدة. ولنجعل منها فرصة لصد دعاة الغلو والعنصرية والكراهية، عن استغلال الأحداث لتعميق الأحقاد العرقية والمذهبية بين الأمم والشعوب, ولنقطع الطريق عن كل هؤلاء الذين يتاجرون بلغة الكراهية، والصفاء العرقي، أو الاصطفاء الديني، ولنجعل من ذكرى مولد النبيين العظيمين، فرصة للسلام والمحبة والتسامح بين كل الشعوب و الأمم على اختلاف العرق والجنس واللون واللغة.
رحم الله الإمام الشافعي حين قال:
نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيبٌ سوانا
ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ *** ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ *** ويأكلُ بعضنا بعضاً عيانا
فوق هذه الأرض، خلقنا جميعا لننعم، وينسى كثيرون أن صوت الجار المتوجع مرضا أو جوعا أو إحساسا بالظلم، إن لم يحرك فيك مشاعر التعاطف، فسيفسد عليك لا محالة نومك، ولك أن تختار .
فناموا هنيئا يا ضحايا الأحقاد أينما كنتم، بنيويورك وباريس و بالي وسوريا والعراق واليمن ومالي وليبيا و الصومال وفي كل مدن وقرى العالم.
وخسئتم يا قتلة الابرياء، ويا دعاة الكراهية أينما كنتم ومهما تلبستم بعباءة الإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو القومية أو الانفصالية.
كل عام وأنتم بألف خير يا أبناء يسوع المسيح عليه الصلاة والسلام.
وكل عام وأنتم بألف خير يا أمة محمد، خاتم الأنبياء والرسل عليه أزكى الصلوات.
وكل عام وأنتم بألف خير يا أبناء عمومتنا، من آل سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، لنبارك لكم أيضا ذكرى عيد الأنوار. و لنشارك جميعا كل الأجناس والأقوام فرحتهم بنهاية العام، و دعواتهم بحلول عام جديد أكثر أمنا و سلاما من الذي ولى.