في الماضي فشل العثمانيون في احتلال المغرب، واليوم، بفضل “البيجيدي”، يعمل أحفادهم الأتراك على غزو المغاربة ثقافيا واقتصاديا

إذا كان العثمانيون قد فشلوا في أواسط القرن السادس عشر في احتلال المغرب انطلاقا من الجزائر، التي ضموها آن ذلك إلى إمبراطورتيهم التي كانت تشمل المشرق العربي وشمال افريقيا، باستثناء المغرب الأقصى، الذي تصدت لهم جيوشه وتعقبت فلوهم إلى غاية تلمسان، ها هم الأتراك، حفدة العثمانيين، يحاولون اليوم، غزو المملكة الشريفة، لكن ليس بالسلاح والعساكر، بل عن طريق الثقافة والاقتصاد.

ولتسهيل مخطط هذا الغزو الناعم، وجد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا اليوم ، في حليفة حزب العدالة والتنمية المغربي، حصان طروادة لتحقيق مآربه ، خاصة وأن الـ PJD المغربي وقيادييه معجبين أيما إعجاب بالنموذج الذي يقدمه الـ AKP التركي.

الغزو يبدأ بالعقول والثقافة، والجامعة أهم محطاته الأولى

سياق الحديث عن “الغزو” التركي، هو الملتقى الثالث للجامعات التركية، الذي أقيم الأسبوع الماضي في ثلاث من أكبر المدن المغربية ، الدار البيضاء وطنجة والرباط . وقد تولى تنظيم هذه التظاهرة المنظمة بإحكام،  وتأطير أنشطتها واستقبال زوارها ، “مركز قرطبة للدراسة في الخارج “،  الذي يرأسه مصعب الحمداوي، نجل محمد الحمداوي، النائب البرلماني عن “البيجيدي” ورئيس المجلس الاستشاري لحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي والايديولوجي لحزب الإسلاميين في المغرب.

الملتقى، الذي شاركت في محطته الثالثة بالرباط ، أكثر من 14 جامعة تركية وخصص للتوجيه الأكاديمي للطلبة المغاربة الراغبين في متابعة دراساتهم العليا بتركيا، افتتحه لحسن الداودي وزير التعليم العالي السابق والقيادي بالبيجيدي وسفير تركيا بالمغرب، بالإضافة إلى عدد من قيادات حزب المصباح من بينهم عبد العالي حامي الدين ومحمد الصديقي عمدة الرباط عن البيجيدي.

وشهد الملتقى اقبالا كبيرا من الزوار وأغلبهم من  الطلبة، حيث قدم لهم ممثلو الجامعات التركية من خلال أروقتها شروحات حول شروط وطرق التسجيل والالتحاق بهذه المؤسسات والإجراءات الإدارية التي يتعين اتباعها وكذا مصاريف التسجيل.

مصعب الحمداوي رئيس اللجنة المنظمة ومدير عام مركز “قرطبة”، قال في تصريحات نقلتها بعض المنابر الإعلامية المقربة من البيجيدي، إن الملتقى يهدف إلى تقريب الصورة للطلبة المغاربة حول الدراسة بتركيا، ومنحهم فرصة للدراسة هناك عبر التعريف بالجامعات التركية وفتح المجال أمامهم للالتحاق بها.

ونوه الحمداوي بهذه الجامعات، التي قال إنها تقدم حوافز ومنحا دراسية مهمة للطلبة المغاربة، يمكن أن تشمل مصاريف الدراسة والسكن والراتب الشهري بنسبة 100 في المائة في مختلف التخصصات، مشيرا إلى أن عدد المستفيدين تراوح بين 2000 إلى 3000 تلميذ وطالب.

قيادات البيجيدي معجبة بالنموذج التركي في الحكم ويريدون تطبيقه في المغرب

هذه الدعاية الكبيرة من قبل نجل القيادي في البيجيدي، للمؤسسات الجامعية التركية، تترجم الانحياز الكامل لحزب المصباح للنموذج التركي، ليس في التعليم والاقتصاد فحسب، بل أيضا في أسلوب الحياة وفي الحكم وفي السياسة. وهذا ليس سرا، بل هو من قبيل البديهيات بالنسبة للبيجيدي، إذ سبق لعبد الاله ابن كيران، أمين عام العدالة والتنمية، أن نوه في أكثر من مناسبة بالنهج الذي يسير عليه حزب العدالة والتنمية التركي وزعيمه أردوغان ، الذي تربطه بابن كيران روابط قوية .

وكما هو معروف ، فإن العديد من الوزراء والشخصيات القيادية باليجيدي أوفدوا أبناءهم للجامعات التركية، حيث أسسوا جمعيات للتواصل والتأطير، فيما حاول لحسن الداودي الوزير السابق بكل الوسائل إنشاء كرسي للدراسات التركية بجامعة القاضي عياض بمراكش، قبل أن تفشل محاولته بسبب الرفض الذي قوبلت به هذه المحاولة من قبل المسؤولين في الجامعة والأوساط الأكاديمية بها.

أيضا وسائل الاعلام الوطنية والدولية سبق لها أن نشرت أخبارا متواترة على حضور قياديين وأعضاء في العدالة والتنمية في اجتماعات عقدت بتركيا لتنظيمات تابعة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

وتصورا معي، أن آلاف الطلبة المغاربة أغلبيتهم الساحقة أعضاء أو متعاطفون مع البيجيدي ومنظماته الموازية يلتحقون لعدة سنوات بالجامعات والمعاهد التركية، حيث سيتلقون إضافة إلى تكوينهم الأكاديمي رصيدا محترما من الثقافة التركية بشحنتها الأيديولوجية المتشبعة بالنموذج التركي، الذي يحرص نظام أردوغان تسويقه بكل الوسائل.

هؤلاء الطلبة ومسؤولو المستقبل، سيحتلون لدى عودتهم إلى أرض الوطن مراكز المسؤولية في دواليب الإدارة المغربية ومفاصلها المختلفة، وحتى في المؤسسات السياسية والدستورية، ولم لا ما دامت الممارسة الديمقراطية تسمح لهم بذلك. هؤلاء سوف يمثل طابورا خامسا، سيخدم مصالح دولة أجنبية ويعمل على تسهيل تغلغلها الاقتصادي والثقافي في عمق المجتمع المغربي.

بفضل وزراء البيجيدي، الشركات التركية في منافسة غير متكافئة مع نظيرتها المغربية

على الصعيد الاقتصادي، تابع المغاربة كيف سهل وزراء البيجيدي منذ تولي هذا الأخير قيادة الائتلاف الحكومي بعد انتخابات 2011 تغلغل رجال الأعمال والشركات التركية في مفاصل الاقتصاد المغربي، من خلال ابرام عشرات الاتفاقيات والشراكات مع الجانب التركي، مستفيدين من التسهيلات التي يمنحها قانون الاستثمار ومستغلين غطاء اتفاقية أكادير للتبادل الحر، التي تستفيد منها تركيا أكثر من المغرب.

وعلى مدار السنوات الخمس لولاية حكومة ابن كيران الأولى كثف وزراء العدالة والتنمية زياراتهم لتركيا واتصالاتهم مع نظرائهم الأتراك بشكل أثار الانتباه، حيث تم ابرام العشرات من الاتفاقيات، وأصبحت المقاولات التركية تزاحم نظيرتها المغربية في عقر دارها .

وتمثل شركة BIM التركية المتخصصة في توزيع المواد الغذائية، والتي أصبحت لها شبكة تغطي جل المدن المغربية بنحو 160 متجرا، أسطع مثال على المنافسة غير المتكافئة، حيث دفعت مئات من المحلات التجارية وخاصة محلات البقالة إلى غلق أبوابها وقطع أرزاق أصحابها.

هكذا إذن ، يتسرب تدريجيا هذا الغزو التركي الناعم إلى مفاصل المجتمع المغربي وإلى عقول أبنائه وثقافتهم وأسلوب حياتهم ، كمقدمة لغزو آخر أكثر خطورة لا محالة.