الأخبارسياسةمستجدات

فلنقل بملء حناجرنا “عاش الملك”

الخط :
إستمع للمقال

كتب المرحوم محمد بنيحي، الإعلامي والمناضل اليساري مقالا بجريدة البلاغ عقب المحاولة الانقلابية التي جرت يوم 23 فبراير 1981 بإسبانيا، واستولت من خلالها قوة من الحرس المدني “الدرك الإسباني” على البرلمان وعلى استوديوهات التلفزيون الإسباني في مدريد، واحتلت قوة من المنطقة العسكرية الثالثة في فالنسيا شوارع المدينة بالدبابات.

و تحدث فيه بإسهاب عما أسماه بالموقف الحكيم والشجاع لملك إسبانيا السابق خوان كارلوس المنحاز للقيم الديمقراطية واحترام إرادة الشعب، والذي عبر عنه من خلال الخطاب المتلفز الذي ألقاه من قصره، حيث رفض الانقلاب على الديمقراطية وقضى على أي دعم ممكن للانقلابيين الذين كانوا يعتقدون أن القصر الملكي سيكون إلى جانبهم. الأمر الذي أدى إلى زيادة شعبية الملك بين مختلف قطاعات الشعب بعد مناصرته للديمقراطية، وساهم موقفه هذا في ترسيخ النظام الملكي في إسبانيا، مع نقل الحياة السياسية فيها من الدكتاتورية إلى الحياة الديمقراطية المستقرة.

اليوم وبعد مرور حوالي 36 سنة على هذه الواقعة، وعلى مقال المرحوم بنيحي، وبهذا العنوان الذي اقترحه علي الأخ والصديق سليمان بولنوار صاحب الذاكرة القوية، وبعد الزيارة الأخيرة التي قام بها الملك محمد السادس للوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي، بالمستشفى الذي كان يخضع فيه للعلاج من التهاب رئوي ألم به، وما تبعها من إنحناء للملك وتقبيله رأسه، في مشهد إنساني استثنائي يتجاوز المراسيم و القواعد البروتوكولية الجاري بها العمل لدى ملوك ورؤساء الدول. يحق لنا أن نقول عاش الملك الذي خلع تاجه، وتمرد في لحظة إنسانية نادرة على البرتوكول الملكي وانحنى ليقبل رأس أحد مواطني بلده.
moh_youssoufi_228424414

الانحناء وتقبيل الرأس حالة نادرة الوقوع، ومعاكسة للأعراف والمراسيم والإتيكيت في مجال الزيارات، والممارسات الملكية والرئاسية المختلفة، ولا وجود لها بقواعد البروتوكول التي أصبحت في معظمها قواعد عالمية، بالرغم من أن جزءاً مهماً منها لا يزال، وسيظل كذلك، يحمل الطابع المحلي الخاص بكل دولة، وفق تقاليد المجتمعات وتطورها، بما لا يُخل بهذه القواعد العامة المتعارف عليها دوليا.

والملك محمد السادس بكسره للبروتوكول الملكي بهذه الطريقة يجعل لنفسه في المجال الاجتماعي، كما هو الشأن بالنسبة لباقي المجالات الأخرى، مكانة مركزية، لا تمت بالصلة فقط بمكانتها الروحية والدستورية، بل تتجاوزه إلى المخيل والوجدان الشعبي، الذي جعل منه رمز الضعفاء والمحرومين والبسطاء وأصحاب الحقوق المهضومة، ليبقى الأمل معقودا على الملك الذي جعل من أولوية سياساته تفقد مختلف شرائح مجتمعه والتقرب منهم مقدما بذلك إشارات قوية لبزوغ عهد جديد في منهجية التعامل والتواصل بين المواطن وأعلى سلطة في البلاد.

وعليه فعندما نقول بملء حناجرنا عاش الملك فنحن نرد التحية بأفضل منها، لنحييه على جرأته في تكسير مراسيم وإتيكيت وتقاليد جاري بها العمل من أجل جبر خاطر رعاياه، وعلى اعتماده منطق المصالحة بعد توليه سدة الحكم، كنوع من التقويم للعهد السابق وإطار جديد للعلاقة التي يجب أن تحكم العرش والشعب، والتي كانت قائمة في السابق على مشروعية النضال المشترك ضد الاستعمار، وأصبحت في عهد الملك محمد السادس مبنية على السير المشترك نحو إصلاح الأعطاب السابقة للدولة ومد جسور الثقة بين الدولة والمواطن.

مبنية كذلك على الاهتمام والعناية المستمرة بمختلف جهات وأقاليم المملكة خاصة منها الشمالية والشرقية، التي عانت في السابق من التهميش والعزلة بسبب تركة السياسة الاستعمارية وما تلاها، حتى أصبحت اليوم من المناطق الرائدة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية وذات مؤهلات وبنية تحتية تسمح بجلب مزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال التي فتحت وستفتح آفاق واعدة للساكنة المحلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى