الأخبارسياسةمستجدات

فرنسا وبداية العودة لجادة الصواب بعد ترويضها من طرف الدبلوماسية المغربية

الخط :
إستمع للمقال

عرفت العلاقات الفرنسية المغربية في السنوات الأخيرة، وبالضبط خلال الولاية الرئاسية الثانية لإيمانويل ماكرون، فتورا وبرودا كبيرا بسبب التحرشات والمواقف العدائية لباريس تجاه المغرب، في العديد من الملفات والقضايا، ونذكر على سبيل المثال الحملات الإعلامية التي قادها الإعلام الفرنسي المقرب من دوائر القرار ضد المغرب ورموزه ومؤسساته، خاصة الأمنية والقضائية، وكذا الحملة التي قادها حزب ماكرون بالبرلمان الأوروبي ضد المغرب.

فقد شهدت السنوات القليلة الماضية إحدى أكبر الحملات العدائية التي استعملت فيها فرنسا كل الوسائل الممكنة ضد المغرب، خاصة بعد الاتهامات التي وجهتها منظمتا “فوربيدن ستوريز” و”العفو الدولية” للمغرب، خلال قضية ما عُرف لدى الرأي العام الدولي بقضية التجسس باستعمال برنامج “بيغاسوس”، وهي القضية التي استغلتها فرنسا وإعلامها للتهجم على المغرب ومحاولة الثأر منه، خاصة بعد النكسات والخسائر الكبيرة التي لحقت باريس بالعديد من مستعمراتها السابقة بالقارة الإفريقية، حتى بات وجودها بهذه الدول مرفوضا وغير مرغوب فيه من طرف الشعوب الإفريقية، هذه النكسات التي تعتبر باريس الرباط سببا فيها وقائدا لها بسبب السياسة التي نهجها المغرب في إفريقيا، والمبنية بشكل أساسي على مبدأ “رابح – رابح” وليس استغلال ثروات هذه البلدان وتفقير شعوبها كما فعلت وتفعل فرنسا منذ سنوات.

وبالرغم من كل المناورات اليائسة والمحاولات الفاشلة التي قادتها الدبلوماسية الفرنسية ضد المغرب، موظفة فيها وسائل إعلامها الرسمي ومنظمات تدعي الاشتغال في مجال حقوق الإنسان وأيضا مؤسسة البرلمان الأوروبي، وأيضا حزب ماكرون داخل البرلمان الأوروبي، بقيادة زعيمه وصديق ماكرون المقرب ستيفان سيجورنييه، الذي أصبح اليوم وزيرا للخارجية، فإن فرنسا لم تستطع لي ذراع المغرب وفرملته، بل على العكس من ذلك، وصلت لمرحلة جعلتها تتيقن بأن المغرب عصيّ عليها وأن زمن ممارسة سياسة ابتزازه قد ولّى، وهو ما عكسته تصريحات رئيس الدبلوماسية الفرنسية قبل أسابيع خلال حديثه عن العلاقات الفرنسية المغربية، وأكدته تصريحات سفير باريس بالرباط، كريستوف لوكورتييه أمس الأربعاء.

ماكرون ومطالبته سيجورنييه الاستثمار في العلاقة الفرنسية المغربية وكتابة فصل جديد فيها

بعد الأزمات التي واجهتها حكومة ماكرون بقيادة إلزابيث بورن، خاصة بعد الاحتجاجات ضد قانون التقاعد وما شهدته فرنسا من أعمال شغب، بالإضافة إلى حركات احتجاجية أخرى بسبب العديد من المشاكل التي تتخبط فيها فرنسا، أقدم ماكرون على إجراء تعديل وزاري أعفى خلاله بورن وعيّن مكانها الشاب غابرييل أتال لقيادة الحكومة في ما تبقى من ولاية الرئيس ماكرون، تعديل حمل معه أيضا مجموعة من المفاجآت أهمها تعيين ستيفان سيجورنييه، الأمين العام لحزب “النهضة” الذي أسسه الرئيس ماكرون، ومهندس الحملة التي شنت ضد المغرب داخل البرلمان الأوروبي بخصوص مزاعم التجسس عبر برنامج “بيغاسوس” والادعاءات بأن المغرب يضيّق على حرية التعبير وحقوق الإنسان، وزيرا للخارجية مكان كاثرين كولونا.

وخلال أولى خرجاته الإعلامية، قال وزير الخارجية الفرنسي الجديد، في مقابلة مع صحيفة “وست فرانس” اليومية، نشرت يوم السبت 10 فبراير الجاري، إنه سيعمل “شخصيا” على تحقيق التقارب بين فرنسا والمغرب، بعدما شهدت العلاقات توترا في السنوات الأخيرة، معلنا بأنه أجرى عدة اتصالات “مع المغاربة” منذ تعيينه بتاريخ 12 يناير، دون أن يحدد من هي الجهات التي تواصل معها، وحول ما إذا كانت رسمية أم فقط منظمات مدنية أو سياسية.

وصرّح سيجورنييه خلال ذات المقابلة على أن “رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون طلب منه الاستثمار شخصيا في العلاقة الفرنسية المغربية والعمل على كتابة فصل جديد فيها، مؤكدا على أنه سيلتزم بتوصيات رئيسه.

وأكد رئيس الدبلوماسية الفرنسية أن بلاده كانت دائما على الموعد، حتى فيما يتعلق بالقضايا الأكثر حساسية مثل قضية الصحراء المغربية، مشيرا في هذا الصدد إلى أن دعم فرنسا الواضح والمستمر لخطة الحكم الذاتي المغربي أصبح حقيقة واقعة منذ عام 2007″، مضيفا: “الوقت حان للمضي قدما، سأبذل قصارى جهدي في الأسابيع والأشهر المقبلة للتقريب بين فرنسا والمغرب” وذلك “مع احترام المغاربة”.

سفير باريس بالرباط يُقرّ بضرورة توضيح فرنسا لموقفها بشأن قضية الصحراء المغربية

بعد خرجة وزير الخارجية الفرنسي والتي حملت إشارات واضحة على رغبة فرنسا في إصلاح علاقاتها مع المغرب والعودة عن غيّها، اعترف السفير الفرنسي بالمغرب، كريستوف لوكورتييه، أمس الجمعة خلال حضوره لمناقشة موضوع حول العلاقات الفرنسية المغربية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بعين الشق بالدار البيضاء، بأن باريس عليها أن تراجع موقفها بشأن قضية الصحراء المغربية إن هي أرادت بناء مستقبل مشترك مع المغرب.

وفي هذا الصدد، قال لوكورتييه، في معرض رده على سؤال حول موقف فرنسا من قضية الصحراء، إنه “سيكون من “الوهم وعدم الاحترام” الاعتقاد بأننا سنبني ما آمل أن نكون قادرين على بنائه، لبنة تلو الأخرى، من أجل طمأنينة بلدينا وبعض الجيران الآخرين، دون توضيح موقف فرنسا بشأن هذه القضية، مع العلم أن الجميع في باريس يعرف ويدرك الطابع الأساسي للمملكة، أمس واليوم وغدا”.

وأضاف السفير الفرنسي ضمن إجابته أيضا: “كيف يمكننا أن ندعي أن لدينا هذه الطموحات دون الأخذ بعين الاعتبار الانشغالات الرئيسية للمملكة بشأن هذه القضية، وفرنسا واعية بأهمية هذا الموضوع بالنسبة للمغرب، كما تدرك التطور الذي يشهده العالم”، مضيفا: “في الحوار الذي نجريه مع المغرب، ستتم إثارة هذه القضية، كما هو الحال منذ سنة 2007، وذلك ضمن منطق الاستمرار في الشراكة القائمة منذ سنين وخلال العقود القادمة”.

فرنسا وبداية العودة بعد ترويضها

قبل حوالي سنة ونصف وبالضبط خلال الخطاب السامي الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الأمة بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، أكد الملك محمد السادس أن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وأنه أيضا هو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات، قبل أن يضيف قائلا: “ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”.

هذه الرسالة الملكية سرعان ما التقطتها العديد من الدول وفهمت مضمونها بشكل كامل، خاصة في ظل التغيرات الجيوسياسية والجيوستراجية التي يشهدها عالم اليوم، ودفعتها للخروج من المنطقة الضبابية وتبني موقف واضح من قضية الصحراء المغربية، ومن بين هاته الدول ألمانيا وإسرائيل وإسبانيا التي نوّه الملك محمد السادس خلال ذات الخطاب بموقفها الواضح والمسؤول، وهي التي تعرف جيدا أصل هذا النزاع وحقيقته”، مؤكدا أن “هذا الموقف الإيجابي، قد أسس لمرحلة جديدة من الشراكة المغربية الإسبانية، لا تتأثر بالظروف الإقليمية، ولا بالتطورات السياسية الداخلية”.

ويبدو إذن من خلال الخرجة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورنييه، صديق الرئيس ماكرون، وأيضا تصريحات السفير الفرنسي أمس بالدار البيضاء، أن فرنسا بدأت تعود لجادة الصواب بعدما روّضتها الدبلوماسية المغربية وأفشلت كل مناوراتها وحملاتها التي كانت تسعى من ورائها إلى لي ذراع المملكة وابتزازها لفرملة المسار الذي اختارته منذ سنوات، مسار بدأ المغرب يجني ثماره اليوم، وجعله من الدول التي تحظى بثقة المنتظم الدولي، بل جعل المملكة المغربية تعتبر البوابة الآمنة التي تربط أوروبا وأمريكا بإفريقيا مستقبل العالم، وهو ما فطنت له العديد من الدول وسارعت لعقد شراكات مع المغرب، شراكات أولى شروط نجاحها هو تبني هذه الدول موقف واضح من قضية الصحراء المغربية، موقف يتمثل في الاعتراف بمغربية الصحراء ودعم مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب لإنهاء هذا النزاع المفتعل والذي عمّر لسنوات بفعل فاعلين وتخطيط مخططين، كل هذه الأمور انتبهت إليها فرنسا وإن بشكل متأخر عن باقي الدول، وجعلتها تتيقن بأن علاقاتها مع المغرب على كف عفريت إذا لم تخرج بموقف متقدم عن الذي تتبناه منذ سنوات بشأن قضيتنا الوطنية.

 

  

  

  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى