فرنسا.. الواقع يختلط بالخيال لدى أطفال المدارس في رمضان وشرطة الضواحي في إجازة كاملة
تلفت ظاهرة صيام بعض الأطفال المسلمين في المدارس، انتباه الفرنسيين بعد أن حسمت فرنسا منذ عشرين (2004) في مسألة منع الرموز الدينية في المدارس وخاصة الحجاب، فيما تدور حوارات لا تنتهي بين الأطفال عن الصيام وفوائده، وقدرة كل واحد منهم على مواصلته طيلة الشهر.
ويختلط الواقع بالخيال في عالم الأطفال، وسط اهتمام كبير من المعلمات وإدارة المدرسة للتأكد من أن تلامذتهم غير مكرهين على الصيام، وتنبيه بعضهم، وخاصة ذوي البنيات الجسدية النحيفة، إلى عدم الإجهاد في مزاولة الرياضة حرصا على عدم إرهاقهم. أما المدارس الإسلامية الخاصة، فهي تحتفي بالأطفال الصائمين، وتشجعهم على ذلك دون ضغط أو إلحاح.
ومع الإعلان عن أول أيام رمضان، يبدأ الآباء بتدريب أبنائهم الصغار على أداء فريضة الصيام، وفي بعض الأحيان يصوم الصغار دون أن يكون آباؤهم على علمٍ بذلك، كما تقول باتريس تريناد، مديرة مدرسة سان جورج الابتدائية، بضاحية “كومبو” شرق باريس التي أوضحت أن “نسبة التلاميذ الذين يصومون في رمضان ما فتئت تزداد عاما بعد عام، سواء بدافع الاقتناع أو لمجرد التنافس مع أقرانهم وإبراز معالم الرجولة لديهم”.
وتشرح تريناد أنها “تحرص على مساعدة الآباء لإقناع التلاميذ الذين لم يبلغوا سن الرشد، بأن من شأن الصيام أن يؤثر على أدائهم المدرسي، ولذلك يمتد الصوم بالنسبة لهؤلاء بضعة أيام ثم يرتادون المطعم المدرسي من جديد، غير أن هناك العديد ممن يحرصون على إتمام الشهر، ونحن هنا لا نمنعهم”.
وتجمع الأوساط التربوية ومعها بعض الاستطلاعات المنظمة داخل المؤسسات التعليمية، على أن نسبة الصائمين من الأطفال تتقوى حتى في الأوساط العائلية الميسورة. وقبل بضع سنوات كان معظم الأطفال الصائمين ينتمون إلى عائلات في الغالب محدودة الدخل، وقد انضم إليهم في السنتين الأخيرتين عدة تلاميذ ممن لا ينتمون إلى عائلات متدينة. وهؤلاء حرصوا على الصوم وامتنعوا عن الذهاب إلى المطعم المدرسي مفضلين البقاء في الأقسام أو في قاعات المراجعة.
ويعمل المدرّسون بشكل عام على تنبيه الآباء إلى عدم ممارسة أي ضغط على الصغار لإجبارهم على الصوم، مما قد تكون له مضاعفات على صحتهم وعلى أدائهم المدرسي. وتكون النتيجة أحيانا أن يمتد الصيام بالنسبة لهؤلاء بضعة أيام ثم يرتادون المطعم المدرسي من جديد. غير أن هناك العديد منهم يحرصون على إتمام الشهر، دون أي رادع من قبل المؤسسة التعليمية التي تحرص مع ذلك، على ألا يكون الصيام مظهرا من مظاهر التفاخر أو الاستخفاف بزملائهم من غير المسلمين، لأن الجميع في مدارس علمانية بفرنسا.
وحين موعد الإفطار، تتيح المدارس بشكل عام للتلاميذ الصائمين تناول شيئا من التمور أو الحلويات أثناء الدرس على أن يتم ذلك في إطار من التكتم والانضباط، حيث يلعب تسامح المُدرّس أو المُدرسة هنا دورا كبيرا.
وخارج المؤسسات التعليمية يعيش البوليس الفرنسي إجازة كاملة طيلة رمضان بالضواحي ذات الكثافة المسلمة التي يتحول فيها الشباب المشاغبون إلى أتقياء عقلاء، لا خمور ولا مخدرات ولا تمرد، قبل أن يعودوا للأسف إلى سلوكهم المألوف بعد انقضاء الشهر. فبعد 11 شهرا يقضونها في ممارسة شتى أنواع الرذائل ردا على سياسة التهميش والإقصاء التي تطالهم، تجدهم في رمضان متمسكين بتعاليم الإسلام، حريصين على أداء فريضة الصوم بما يقتضيه ذلك من اتقاء وإيمان.
ولا يوجد وصف دقيق لهذا الانقلاب المباغت في سلوك هؤلاء الشباب، الذين لا تسمع لهم كلاما ناشزا من المفردات البذيئة التي تعودوا على تداولها فيما بينهم طيلة شهور السنة، فلا تسمع مع بداية رمضان إلا كلمات: عفوا، تفضل، وأستغفر الله.. التي لا يستطيع البعض منهم نطقها بطلاقة لعدم إجادته العربية، وهو ما يجعل الشرطة في شبه عطلة. ويمكن ربط ظاهرة عودة المسلم للتدين في شهر رمضان بالشعور بالانتماء وبأن لهم جذورا ثقافية هم في حاجة إليها في ظل الأزمات التي يعيشها المجتمع الغربي.
وقد يكون رمضان المناسبة التي تمنحهم هوية مختلفة يعتزون من خلالها بانتمائهم للإسلام وللحضارة الإسلامية حيث المتجول في العديد من الأحياء ذات الكثافة المسلمة، كما في ضواحي العاصمة الفرنسية يلمس بقوة ظاهرة احترام صيام رمضان وتبجيله على غيره من الفرائض الأخرى.