الأخبارركن الميداوي

فرنسا.. أي موقع للجالية المغربية في الخارطة الانتخابية الجديدة..؟

الخط :
إستمع للمقال

انتهت الانتخابات التشريعية الفرنسية، وانتهت بالنطق في دورتها الثانية بخارطة سياسية مخالفة لكل التوقعات والاستطلاعات، وبنسبة مشاركة هي الأعلى منذ 45 سنة، بعد أن تجاوزت 67%. وما ثبت في تاريخ الانتخابات التشريعية الفرنسية منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958 إلى اليوم، أن شهدت سلسلة من المفارقات التي لم يتوقعها أي من كبار المحللين السياسيين والإعلاميين. وحتى معاهد الاستطلاع.

المفارقة الأولى أنه في أسبوع واحد انتقلت كفة اليمين المتطرف ممثلا في التجمع الوطني، إلى اليسار ممثلا في الجبهة الشعبية الجديدة، وهي تحالف يضم أربعة أحزاب يسارية: الحزب الشيوعي الفرنسي، والحزب الاشتراكي، وحزب البيئة، وحزب فرنسا الأبية. في لحظة وجيزة، دفع الدور الثاني باليسار إلى صدارة المشهد، أمام اندهاش كبار “المُنجّمين” السياسيين الذين سلّموا جميعهم، بما يشبه اليقين، بفوز ساحق لليمين المتطرف، بعد أن حصل في الجولة الأولى على 33% من الأصوات بعيدا عن كل منافسيه، ومنهم تحالف اليسار.

المفارقة الثانية هي أنه لم يحدث أن تعاملت معاهد استطلاع الرأي، بجيشها العرمرم من إعلاميين ومحللين وسوسيولوجيين وغيرهم، بمثل هذه الضبابية الكثيفة مع نتائج الانتخابات، بعد أن تجاوزت نسبة الخطأ في تقديراتها الثلاثين في المئة، وهو رقم مهول مقارنة مع نسبة الخطأ المألوفة في كل الانتخابات السابقة، والتي لم تتجاوز في أقصى الحالات، أربعة إلى خمسة في المئة.

الفارقة الثالثة أن الانتخابات التشريعية أفضت إلى انقسام الجمعية الوطنية (البرلمان) إلى كتل متضاربة ومتعارضة، لن تسمح بظهور أغلبية مطلقة في البرلمان، مما يعني أن أيا من الكتل الثلاث، تحالف الجبهة الشعبية الجيدة، وتحالف الرئيس ماكرون “معا” وتحالف التجمع الوطني، لن تتمكن من تشكيل حكومة أغلبية، وستحتاج إلى الآخرين لتمرير النصوص والقوانين. وهو ما يعني أيضا أن سيناريو “البرلمان المعلّق”، هو أكثر الاحتمالات الممكنة، بعد عدم فوز أي حزب بأغلبية مطلقة. مثل هذا المشهد السياسي الجديد، لم تشهده الجمهورية الفرنسية الخامسة منذ ميلادها إلى اليوم. ناهيك عن أن فرنسا لم تتعود على بناء التحالفات، وإن كان الأمر شائعا في بلدان أوربية عديدة مثل ألمانيا، وهولندا وإسبانيا والسويد…
ويراهن الكثيرون من مؤيدي الرئيس ماكرون، على فرضية إخراج الاشتراكيين المعتدلين وأنصار البيئة، من تحالف اليسار، وترك حزب ميلونشون، “فرنسا الأبية” بمفرده، لتشكيل ائتلاف بين اليسار المعتدل وكتلة ماكرون.
ولا يوجد حتى الآن أي مؤشر على تصدّع وشيك للجبهة الشعبية الجديدة، مما قد يضطر الرئيس ماكرون إلى تشكيل حكومة تقنوقراط، كما ينص على ذلك الدستور الفرنسي، تدير الشؤون اليومية، ولكنها لا تشرف على التغيرات الهيكلية.

وفي ظل الضباب الذي يلف الحكومة الفرنسية القادمة، يتوجب علينا التساؤل عن موقع الجالية المغربية، الميالة إلى اليسار، باعتبار أن 75 في المئة من أبناء الهجرة المغاربية، هم أقرب إلى الأحزاب اليسارية. ويمكن تفسير ذلك بالتطلع لفكرة المساواة الاجتماعية المطروحة في برامج اليسار، الذي يبقى في تصورها أكثر قربا منها ومن الفئات الفقيرة بشكل عام، حتى وإن كانت شريحة واسعة من هذه الجالية تعلن، في ظل فشل المشاريع المتعلقة بالهجرة، ومنها سياسة ما يعرف بالاندماج التي تطرحها مختلف الأحزاب السياسية، أن لا ثقة لديها في السياسيين من اليمين واليسار.

ولمزيد من الضوء على هاجس الهجرة الذي يسكن التنظيمات السياسية بمختلف أطيافها، لا بد من الوقوف على بعض الخطابات والمواقف السياسية، التي تتسابق الأحزاب في الترويج لها أثناء حملاتها الانتخابية، بشأن موضوع الهجرة، وأهمها حزب ماكرون الذي يبني شعبيته على الهجرة المنتقاة، كحل لا بديل عنه لضبط الهجرة. والهجرة المنتقاة في مفهومه، هي ترحيل مئات الآلاف ممن لا يتوفرون على تكوين عالي، أو رأسمال لإقامة مشاريع اقتصادية مربحة لفرنسا. وهو يتبنى أيضا بعض طروحات التجمع الوطني المتطرف، فيما يتعلق بالربط بين المهاجرين ومشاكل البطالة وانعدام الأمن والجريمة. أما موقف اليسار مجسدا في الأحزاب الاشتراكية، فيقوم على ترديد مصطلحات الاندماج والمساواة والتنوع الثقافي والعرقي مع البحث عن آليات لتجسيده، دون أدنى عمل ملموس لفائدة المهاجرين. وفد أثبتت التجربة أن تلك الأحزاب تنهج سياسة غامضة، تبدي تساهلا في الشكل وتصلبا وتشددا في الجوهر.

وتتبنى الأحزاب الوسطية سياسة الاعتدال في مواقفها. فهي تستهجن القول بان الهجرة تضر بالهوية الوطنية، وترفض التفكير بمنطق الربح والخسارة عند الحديث عن الهجرة، لكنها في الواقع تغازل اليمين المتطرف، وتتركه ينوب عنها في الترويج لما تؤمن به في داخلها.

ويبقى ضمن هذه الخارطة، التجمع الوطني (اليمين المتطرف) الذي يبني برامجه الانتخابية على معاداة الهجرة والعمل على الوصول بها إلى الصفر، باعتبارها إفقارا لفرنسا وتهديدا لثقافتها وهويتها. ويقول بترحيل المهاجرين حتى وإن كانوا متجنسين، والحفاظ على أنماط الحياة التقليدية الفرنسية، والتوقف عن بناء المساجد، وغير ذلك من المواقف التي لا بد من الإقرار، بأن شريحة واسعة من الفرنسيين تتبنى معظمها. والأحزاب الفرنسية جميعها وإن تفاوتت القناعات، تنظر إلى المهاجر من زاوية أصوله وانتمائه الديني وبلده العربي، مما يجعل منه مواطنا اقل فرنسية من غيره.

وما يحتاج أن يدركه الفرنسيون اليوم هو أن الإسلام في فرنسا لم يعد ظاهرة مهاجرة، بل هو عقيدة يدين بها عُشُر الفرنسيين، وليس أمام الدولة الفرنسية سوى أحد الخيارين: إما القبول بالمسلمين كجزء من نسيج المجتمع الفرنسي، أو اضطهادهم وتحقيرهم، وتحمُّل مسؤولية ذلك ونتائجه محليا وإقليميا ودوليا.

ويجب الإقرار أيضا بضعف وتقصير الجالية العربية والإسلامية في فرنسا، حيث لم تتمكن هذه الجالية من تشكيل جماعات قوية ومؤثرة في صناعة القرار، وفي الدفاع عن حقوقها ضد الهجمات التي تطالها. وهي مع تعدُّد مشاربها الفكرية، وانتماءاتها السياسية، وغنى تكوينها الاجتماعي، لم تجد بعد القدرة على التأطر والاندماج والمشاركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى