في آخر حلقاته، ناقش برنامج “في فلك الممنوع” المعروض على قناة فرانس 24، والذي تعده وتقدمه ميسلون نصار، ملف تشريع الحشيش وتقنينه بالبلدان العربية، ليساهم بالحوار عن المغرب المدعو محمد سقراط، بصفته “مدونا وناشطا”.
وخلال الحوار دافع سقراط المثير للجدل بسبب مذكراته خلال قضاءه لعقوبة حبسية بسبب الاتجار بالمخدرات، وبسبب تدويناته الصادمة على مواقع التواصل الاجتماعي حول الدين والجنس والسياسة، ومقالاته على موقع “كود” كذلك، دافع “المحلل” المغربي، عن تشريع مخدر الحشيش واصفا إياه ب “القضية التي تدخل في اطار الحريات الفردية والمكون الطبيعي والصحي”!
وتحديا منه لكل الدراسات التي أصدرتها أشهر معاهد وجامعات أوروبا وأمريكا، التي تحذر من مخاطر المخدرات، والحشيش بالتحديد، قال سقراط المفتقر للتكوين الأكاديمي، والدراية الكافية بهذا الاختصاص الطبي، مدافعا عن تشريع هذا المخدر بأنه “مصدر للمتعة التي ليس مقبولا أن تمنعها السلطة عن الفرد”، رغم أن عددا من الدراسات، من بينها الدراسة الكندية الحديثة التي أجراها قسم علم النفس بجامعة كولومبيا في كندا، ونُشرت نتائجها، في دورية “الطب النفسي وعلم الأعصاب” حذّرت من تعاطي مخدر الحشيش.
فهذا المكون يمكن أن يدفع الأشخاص إلى الشعور الدائم بالكسل، وافتقاد الرغبة في بذل الجهد، إلى جانب عجزهم عن اتخاذ القرارات، بسبب احتوائه على مادة (THC) التي تدمر الجهاز العصبي، وتجلب العديد من المشاكل النفسية والعقلية مثل القلق والاكتئاب، وضعف التحصيل الدراسي، وضعف القدرة الإنتاجية في العمل، وصعوبة التركيز.
وبحكم أن معظم المتعاطين هم من فئة المراهقين بين 13 و 15 سنة حسب المتدخل الثاني بالبرنامج، احمد جاب الله عميد المعهد الأوروبي للعلوم الانسانية بباريس، فإن هذه المادة أُثبت علميا ان تعاطيها في سن مبكرة يرفع معدلات الإصابة بالأمراض العقلية الخطيرة، خاصة انفصام الشخصية وفقدان الذاكرة، وأن المراهقين الذين يدخنون الحشيش يومياً، أكثر عرضة للإقدام على الانتحار أو أن يتعاطوا أنواعاً أخرى من المخدرات أكثر قوة وخطورة.
وعكس مايزعمه سقراط حول امداد الحشيش للفرد بالمتعة، فإنه وحسب مجلة الطب الجزيئي، واعتمادا على دراسة أمريكية نشرت نهاية العام الماضي، فإن الدوبامين وهو هرمون فى المخ مسئول عن الحركة، والتفكير والذاكرة، ولكن من المعروف أيضا أنه المادة الكيميائية المسئولة عن المتعة، ينخفض بشكل كبير بسبب تعاطي الحشيش.
كما كشفت مؤخرا دراسة طبية أشرف عليها باحثون من جامعة تكساس الأمريكية، أن تعاطى هذا المخدر قبل بلوغ عمر 16 عاما، يساهم فى تغيير التركيب الفسيولوجى للمخ، ويجعل نموه لا يكتمل وبالتالى لن يتمتع الشخص بكافة القدرات العقلية المفترض تكوينها خلال هذه المرحلة، وهو ما يعد أمرا خطيرا. إن لم نقل أن الأخطر من ذلك جميعا هو تعرض المخ للشيخوخة المبكرة .
ورجوعا الى طريقة معالجة الملف من قبل طاقم تحرير البرنامج ومن خلالهم ادارة القناة، فإنه يتبين أنه وعند استضافة عميد معهد بباريس ومستشارة صحة عقلية من لبنان وباحثة في مجال الصحة العامة من لبنان كذلك، يتحدث من العاصمة الرباط مروج سابق للمخدرات. وهي ليست المرة الأولى حيث سبق واستضافت القناة في عدد من برامجها، شخصيات هي “مثار جدل” أو “سخرية” في الأوساط المغربية، للحديث عن الحقوق والحريات بالمغرب، وتقديم صورة “قاتمة” عن الأوضاع المجتمعية والحقوقية بالبلاد.
“ضيوف مغاربة” دون أي تكوين أكاديمي أو دراية بمستجدات هذا الملف أو غيره، شخصيات هي محط سخرية على المواقع التواصلية تتحدث باسم المغاربة، وتتقول عليهم وتنقل رؤيتها الخاصة للشارع المغربي، بعين ضيقة ونفس متحاملة، تعكس توجه القناة وانتقائيتها في التعامل التحريري مع ملفات المملكة، من قبيل نزهة بري وابتسام لشكر وقاسم الغزالي، وغيرهم.
جدل تشريع الحشيش قديم في المغرب، وأدلى فيه الفقهاء والنشطاء الحقوقيون والفقهاء القانونيون، والسياسيون، من أحزاب يمينية متحفظة رافضة ل”تدمير عقول المغاربة”، وأحزاب حداثية تطالب “بالتقنين وادماج السلطات في عمليات خطيرة ومفروضة بحكم الواقع، تهدد الاقتصاد الوطني والصحة العامة، بغرض التنظيم وحماية المنتج والمستهلك على السواء”، لكن فرانس 24 يقع اختيارها في نهاية المطاف، على مروج مخدرات دون المستوى الإعدادي، لمناقشة ملف من الحجم الثقيل.
ويظل السؤال المطروح هو، هل تسعى القناة للوصول إلى الحقائق، أم إلى تزييفها، وهل تهدف برامج هذه القناة إلى احياء نقاشات وازنة أم تضحيل وتهزيل قضايا حساسة، بالاستعانة بأشخاص تتلخص إنجازاتهم في جلب عدد كبير من المشاهدات عن طريق الاستفزاز والإضحاك فقط.