لازالت ظاهرة غياب البرلمانيين عن الجلسات العمومية واللجان الدائمة تثير جدلا واسعا، حيث ترتفع الدعوات من أجل اعتماد وسائل أكثر صرامة لتقييد النواب والمستشارين المتغيبين بشكل غير مبرر، بهدف وضع حد لتأثير هذا الغياب على سمعة العمل البرلماني وأداء الأعضاء بالغرفتين.
وكان مجلس النواب، قد صادق الخميس الماضي، في قراءة ثانية، بالأغلبية، على مشروع قانون المالية رقم 55.23 برسم السنة المالية 2024، خلال جلسة عمومية، بتأييد 87 نائبا برلمانيا فقط، ومعارضة 31 آخرا، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت، علما أن مجلس النواب يتكون من 395 عضوا.
من جهته، مرّر مجلس المستشارين مشروع قانون المالية 2024 بموافقة 45 مستشارا فقط مقابل معارضة 13 آخرين، فيما امتنع 6 مستشارين عن التصويت، في الوقت الذي يتكون فيه مجلس المستشارين من 120 عضوا، الأمر الذي يوضح ويكشف استهتار البرلمانيين، وعدم تحملهم للمسؤولية الملقاة على عاتقهم، وعدم قيامهم بدورهم الأساسي الذي من أجله تم التصويت عليهم وإيصالهم لقبة البرلمان.
إجراء قانوني
وفي هذا السياق، قال أمين السعيد إن “ظاهرة الغياب بالبرلمان ظاهرة قديمة منذ بدايته في أول ولاية تشريعية سنة 1963، واليوم المُشرع عَملَ على تأطير هذه الظاهرة للحد أو على الأقل التخفيف منها، وهنا ينبغي أن نميز بين ثلاث مستويات، هناك مستوى قانوني ومستوى سياسي ومستوى سوسيولوجي”.
وأضاف المحلل السياسي في تصريح خص به موقع “برلمان.كوم” أن “المستوى القانوني عندما نعود إلى النظام الداخلي للمجلسين بالبرلمان ينبغي أن نميز بين الغياب في اللجان الدائمة وما بين الغياب في الجلسات العامة، والغياب في اللجان الدائمة، المشرع أطّره بإجراءات تأديبية، ففي حالة غياب النائب البرلماني يُتلى اسمه في الاجتماع الموالي للجنة ويتم الاقتطاع من أجرته على حسب عدد الأيام التي غاب فيها، ثم كذلك تُنشر أسماء البرلمانيين الغائبين في النشرة الداخلية للمجلس وفي الجريدة الرسمية، وكذلك في الموقع الإلكتروني”.
وتابع ذات المتحدث أنه فيما يخص “الجزاءات المتعلقة بالجلسة العامة هناك كذلك ثلاث مراحل، رئيس المجلس يوجه تنبيها كتابيا إلى النائب، وهناك تنبيه كتابي ثان مع تلاوة اسم النائب في افتتاح الجلسة، والمستوى الثالث هو الاقتطاع من الأجرة وفق الأيام التي تغيب فيها النائب عن الجلسة. وتُنشر أسماء البرلمانيين الغائبين في النشرة الداخلية للمجلس وفي الجريدة الرسمية، وكذلك في الموقع الإلكتروني”.
وقال المحلل السياسي إن هذه الأمور التي تحدثنا عنها لا توجد في الحالة المغربية وهو ما لا يتم تطبيقه أبدا، مع العلم أن المُشرّع أعطى استثناءات على قاعدة الغياب، حيث يمكن أن يكون العذر مبررا في خمس حالات، الحالة الأولى يمكن للنائب أن يتغيب إذا كان هناك نشاط في دائرته الانتخابية، أو خلال رخصة مرضية، أو رخصة الولادة، أو أو نشاط رسمي داخل المملكة المغربية أو خارجها، أو حضور النائب في اجتماعات الجماعات الترابية، أو الغرف المهنية”.
إجراء سياسي
وتحدث المحلل السياسي لـ”برلمان.كوم” عن هذا الإجراء الذي بدوره يغيب في الحالة المغربية، حيث يتعين على الأحزاب السياسية أن تعيد صياغة أنظمتها السياسية الداخلية وقوانينها الداخلية، وذلك بسن إجراءات تأديبية داخلية على النواب الذين ينتمون إليها والذين يتغيبون في مجلس النواب أو مجلس المستشارين، إما بإصدار عقوبات بالتوقيف أو التجميد، أو التوبيخ أو عدم منح التزكية في الاستحقاق الانتخابي المقبل.
وسجل أمين السعيد أنه “مع الأسف الأحزاب السياسية مازالت سجينة المقاربة البراغماتية، حيث أن هذه التنظيمات تمنح التزكية للبرلمانيين القادرين على جلب الأصوات خلال الحملة الانتخابية وكذلك الحصول على المقاعد بالبرلمان، ويتم بذلك تغييب معيار الكفاءة والالتزام والاجتهاد، وهذا ما يمس بقيمة الحزب وقيمة مؤسسة البرلمان”.
المستوى السوسيولوجي
وقال أمين السعيد إنه إذا عدنا إلى القراءة السوسيولوجية للبروفايلات والمنافذ الإجتماعية والمهنية لأعضاء البرلمان، نجد أن بعضهم من الأعيان وبعضهم من رجال الأعمال، وبالتالي الإجراءات التأديبية المتعلقة بالاقتطاع لا تؤثر، فإذا كان الاقتطاع بنسبة 1000 درهم لليوم فإنه بالنسبة لرجال الأعمال لن يؤثر أبدا ولن يكون إجراءً ردعيا.
وأكد ذات المتحدث على أنه “يجب وضع مقارنة بين قوانين الجماعات الترابية التي تعتبر متطورة، حيث وضع المشرع إجراءات زجرية قوية، حيث إنه في حالة الغياب ثلاث مرات في مجالس الجماعات الترابية يتم عزل المستشار أو العضو بقوة القانون، وفي حالة الغياب عن خمس اجتماعات متقطعة يعتبر المستشار مُقالا بقوة القانون كذلك”.