الأخبارركن الميداوي

غالبية السجناء في فرنسا هم من أعضاء الجالية الإسلامية بالرغم من أن نسبتهم لا تتعدى 10 % من مجموع السكان

الخط :
إستمع للمقال

منذ أزيد من عقدين وفرنسا تحتل الصدارة في قائمة المنتحرين في السجون الأوربية بأزيد من 130 انتحارا في السنة (أزيد من انتحار في كل ثلاثة أيام) متبوعة بألمانيا (98 انتحارا) وبريطانيا (87). وإلى حدود نهاية يناير من السنة الجارية أي قبل أسبوع، انتحر ثمانية سجناء، حسب البيان الشهري لإدارة السجون الفرنسية، كان آخرهم سجين من أصل جزائري يبلغ من العمر 36 عاما وضع حدا لحياته قبل يومين في زنزانته الانفرادية بسجن بوميت بمدينة مرسيليا، بواسطة حبل كهربائي، وذلك قبل انتهاء مدة محكوميته البالغة عشر سنوات.

ولئن تضاربت الآراء حول دوافع وأسباب هذه الظاهرة، فإن الإجماع حاصل بين المختصين ونقابات السجون، على أن الاكتظاظ والتمييز وقلة الاعتبار، هي من العوامل الرئيسية المؤدية للانتحار، علما أن الطاقة الاستيعابية للسجون لا تزيد عن 74 ألف مقابل نحو 87 ألف سجين حاليا، وهو رقم ظلت وزارة العدل الفرنسية تنفيه إلى أن كذبها التقرير الأخير الذي أعدته لجنة من الخبراء حول أوضاع السجون بفرنسا.

وفيما تتوالى أصوات الفاعلين الجمعويين والحقوقيين للمطالبة بوضع معضلة الانتحار بالسجون كواحدة من الأوليات العاجلة ضمن برامج وزارة العدل الإصلاحية، طلعت الجمعية الحقوقية “كلنا مع السجين” بتقرير ينذر ب”معضلة إنسانية” داخل السجون الفرنسية في غضون السنتين القادمتين، حيث السجون وعددها 198 بفرنسا، ستشهد بفعل القوانين الردعية الجديدة التي تلزم القضاة بإصدار عقوبات إضافية لذوي السوابق، اكتظاظا قد يفوق 100 ألف سجين سنة 2030، مما قد يؤدي إلى اختناق “سكاني” للسجون التي لن تتمكن بالنظر إلى وتيرة البناء الحالية من توفير أزيد من 78 ألف سرير.

ويدعو البروفسور لوي ألبران، رئيس اللجنة المُعدة للتقرير، إلى إعادة النظر في عملية بناء السجون بشكل يجعلها أصغر حجما وأكثر إنسانية، حتى لا يكون “ثمن الهاجس الأمني بالسجون هو عشرات المنتحرين سنويا”. ويرى في المتابعة الشخصية للسجين من خلال بناء جسور تواصلية مستمرة معه ومع عائلته، شرطا أساسيا لإدماجه بنجاح في محيطه الاعتقالي، كما ينصح بتكوين تربوي وسيكولوجي جيد لحراس السجون يؤهلهم للتعرف ولو نسبيا على بعض السلوكات النفسية للسجناء واستباق حالات الانتحار قدر الإمكان.

وقد تبنت وزارة العدل من جهتها إجراءات اعتبرتها “عاجلة”، تقوم على تحسين ظروف استقبال السجناء الجدد، وتخفيف الإجراءات المتشددة مع السجناء المقيمين في الأحياء التأديبية، وأيضا استبدال المستلزمات التقليدية التي يجد فيها السجين وسيلة سهلة للانتحار، مثل الأغطية والأحزمة الثوبية والمنشفات اليدوية (الفوطة) بمستلزمات حديثة كالأغطية غير القابلة للتمزق والاحتراق، والمنشفات الورقية ذات الاستعمال الواحد وغير ذلك من اللوازم التي يصعب بواسطتها الإقدام على الانتحار.

ويطالب المختصون وزارة العدل الفرنسية بسياسة إصلاحية عميقة تحد من أجواء التمييز والإذلال اللذين يتعرض لهما السجين يوم تسلمه رقمه الاسمي ومعه يصبح “الاعتبار” العنصر الغائب في معيشه الاعتقالي.
ويشكل أعضاء الجالية الإسلامية غالبية السجناء في فرنسا بالرغم من أن نسبتهم لا تتعدى 10 % من مجموع السكان، إذا أخذنا بأرقام بعض المنظمات الإسلامية التي ترجح أن تتجاوز نسبتهم الستين في المئة من مجموع 87 ألف سجين. ولا تتوفر هذه المنظمات على إحصاءات دقيقة لأن القانون الفرنسي يمنع إحصاء الأشخاص على أساس انتمائهم الديني، غير أنها تعتمد، كما تقول، على الأسماء العربية، ولون البشرة، والامتناع عن أكل لحم الخنزير، وكلها مؤشرات تدل على أن أغلب السجناء هم من المسلمين أكانوا عربا أو أفارقة أو آسيويين أو حتى فرنسيين، إذ لا يمر أسبوع دون أن يطلب سجين مسيحي من الإدارة توفير اللحم الحلال له لأنه اعتنق الإسلام.

وإذا كانت هذه المنظمات لا تملك تفسيرا واضحا لارتفاع نسبة معتنقي الإسلام بين السجناء، فإن هناك ما يشبه الإجماع على أن الأمر مرتبط بالشحنة الإيمانية التي تتقوى لدى السجناء المسلمين وخاصة في شهر رمضان وتدفع الكثيرين من نظرائهم المسيحيين إلى الاقتداء بهم.
ويعيش السجين المسلم في فرنسا بين غربتين أليمتين: غربة البد ومعها مشكل الهوية بشقيه الوطني والديني، وغربة المكان حيث المناسبات الدينية وخاصة رمضان هي الغائب الأبرز في أجندة السجون الفرنسية، وحيث الإهمال والتمييز هما السمتان الغالبتان بداخل هذه السجون.

فأبناء الجالية الإسلامية ممن لفظتهم الظروف المعيشية والتربوية إلى خلف القضبان، لا يعرفون لرمضان طعما حيث وجبة الإفطار الرمضانية المغربية في السجون الفرنسية، هي وجبة بلا تمور ولا شباكية ولا عجائن أو فطائر تذكر السجين بالأجواء العائلية في هذا الشهر الذي تتقوى فيها وشائج التقارب والتضامن العائلي، ويحظى بقيمة خاصة بين جميع شرائح المسلمين المغتربين حتى الذين لا يبدون اكتراثا بممارسة الفروض الدينية الأخرى. فما يجده المغربي المسلم في سجون فرنسا هو أكلة باردة من وجبة الغذاء يعمل على تخزينها إلى أن يقترب موعد الإفطار ليبحث بمشقة كبيرة عن طرق ملتوية لتدفئتها. والسبب أن إدارة السجون ترفض بشكل قاطع مدّهم بوجبة العشاء عند أوقات الإفطار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى