الأخبارمجتمعمستجدات

عيد الاستقلال.. فرصة سنوية لاستحضار وحشية المستعمر الفرنسي وكفاح العرش والشعب

الخط :
إستمع للمقال

يختزل شهر نونبر، عدة محطات تاريخية، مجسدة لنضالات وملاحم الشعب المغربي والعرش، والتحامهما الوثيق دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية، ونيل الحرية والاستقلال وتعزيز الوحدة الترابية، ولعل أبرزها التي كانت بمثابة مسك ختام بطولات عظيمة وتضحيات جسام، ذكرى 18 نونبر، التي تؤرخ لعيد الاستقلال، وتصادف هذه السنة الذكرى الثامنة والستين.

وتعد هذه الذكرى المفصلية في تاريخ البلاد الحديث، منعطفا تاريخيا طبع مسار المملكة ومن أغلى الذكريات الوطنية الراسخة في قلوب المغاربة لما تحمله من دلالات عميقة ودروس بليغة وأمجاد تاريخية خالدة، وسبقتها العديد من المحطات التاريخية، المجسدة لتلاحم الشعب والعرش، للدفاع عن حوزة الوطن من الاستعمار الفرنسي الغاشم، الذي لجأ لمختلف الوسائل الخبيثة للنيل من وحدة الوطن المعنوية والترابية.

فرض نظام الحماية

في أواخر القرن التاسع عشر، فرضت فرنسا نظام الحماية على المغرب بهدف تحقيق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، وهي المرحلة التي سبقتها تدخلات فرنسية وإسبانية متزايدة في الشؤون الداخلية والسياسية المغربية.

تم التوقيع على معاهدة الحماية يوم 30 مارس من سنة 1912، وهي المعاهدة التي أسفرت عن تقسيم المملكة المغربية إلى ثلاث مناطق نفوذ، حيث خضعت مناطق الشمال والجنوب للحماية الإسبانية، أما الاحتلال الفرنسي فاختار وسط البلاد، إضافة إلى منطقة طنجة الدولية.

كما ترتب عن هذه المعاهدة، إلزام سلطان المغرب الحصول على موافقة الحكومة الفرنسية قبل توقيع أي معاهدة دولية، ومنح القوات العسكرية الفرنسية حق الانتشار في التراب الوطني.

وحشية المستعمر الفرنسي

تجسدت وحشية المستعمر الفرنسي في ممارساته القمعية واعتداءاته على الهوية والحقوق الثقافية للشعب المغربي، فقد تميز التواجد الفرنسي في المغرب، بارتكاب أبشع أنواع الانتهاكات، حيث تنوعت جرائمه بين الإبادة الجماعية في حق شعب أعزل والتنكيل بالمقاومين ورموز البلاد.

فبحسب عدد من الباحثين وكبار السن الذين عاشوا فترة الاستعمار الغاشم، فالذاكرة تحتفظ بأحداث أليمة تعرض فيها المغاربة لأنواع مختلفة من العنف والإبادة الجماعية، مؤكدين أن فترة تواجد فرنسا في المغرب يمكن تصنيفها ضمن الجرائم الاستعمارية، فهي جرائم لا تغتفر ولا تمحى بمرور التاريخ، مما يستوجب ملاحقة المستعمر في المحاكم الدولية.

المقاومة المغربية وثورة الملك والشعب

نشأت حركة المقاومة المغربية كرد فعل على وحشية الجيش الفرنسي المستعمر، حيث اندلعت حرب التحرير بمختلف ربوع الوطن، فكثيرة هي المعارك البطولية والانتفاضات الشعبية التي خاضها أبناء الشعب المغربي في مواجهة الوجود الأجنبي والتسلط الاستعماري، ومن هذه البطولات، معارك الهري وأنوال وبوغافر وجبل بادو وسيدي بوعثمان وانتفاضة قبائل آيت باعمران والأقاليم الجنوبية وغيرها من المحطات التاريخية التي لقن فيها المقاومون للقوات الاستعمارية دروسا بليغة في الصمود والمقاومة والتضحية.

ومن أبرز المحطات التاريخية التي ميزت مسار الكفاح الوطني الزيارة التاريخية التي قام بها أب الوطنية وبطل التحرير المغفور له الملك محمد الخامس إلى طنجة يوم 9 أبريل 1947 تأكيدا على تشبث المغرب، ملكا وشعبا، بحرية الوطن ووحدته الترابية وتمسكه بمقوماته وهويته.

وتعتبر هذه الزيارة تجسيدا لانتفاضة المغفور له الملك محمد الخامس، الذي لم يستجب لضغوط سلطات الحماية، فكانت مواقفه الرافضة لجميع المساومات سببا في شروع المستعمر في تدبير مؤامرة النفي.

نفي الملك محمد الخامس والأسرة الملكية

في عام 1953، قامت السلطات الفرنسية بنفي أب الأمة وبطل التحرير الرالحل المغفور له الملك محمد الخامس، ورفيقه في الكفاح، الراحل المغفور له الملك الحسن الثاني والأسرة الملكية الشريفة، إلى جزيرة كورسيكا ومنها إلى مدغشقر، متوهمة بذلك أن هذه المناورة ستفسح لها الطريق على مصراعيه لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية، إلا أن هذا النفي أثار رفضاً واسعاً وأدى إلى اندلاع موجة احتجاجات ومقاومة، واعتبر مقدمة لاندلاع ثورة الملك والشعب سنة 1953 التي تُجسد مدى التلاحم القوي بين العرش والشعب، فما إن عم نبأ نفي رمز الوحدة الوطنية، انتفض الشعب المغربي ووقف وقفة رجل واحد في وجه الاحتلال الأجنبي، رافضا المس بكرامته والنيل من مقدساته، وتشكلت الخلايا الفدائية والتنظيمات السرية وانطلقت العمليات البطولية لضرب معاقل الاستعمار.

تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال

بالموازاة مع الأعمال الفدائية والمقاومة المغربية في مختلف ربوع الوطن، برزت فكرة تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال بإيحاء من الراحل المغفور له الملك محمد الخامس، حيث شرع الوطنيون في إعداد الوثيقة التاريخية بتنسيق محكم معه وتوافق على مضمونها، قبل أن يتم تقديمها إلى الإقامة العامة، وتسليم نسخ منها للقنصليات العامة للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، والاتحاد السوفياتي.

ومن بين المطالب الأساسية التي تضمنتها وثيقة المطالبة بالاستقلال، استقلال المملكة وعودة الملك الشرعي للبلاد الملك محمد بن يوسف، والسعي لدى الدول التي يهمها الأمر لضمان هذا الاستقلال، وانضمام المغرب للدول الموافقة على وثيقة الأطلنطي والمشاركة في مؤتمر الصلح.

عودة الملك من المنفى

شكلت العودة الشرعية للمغفور له محمد الخامس إلى أرض الوطن، يوم 16 نونبر 1955، فتحا مبينا ونبراسا منيرا للكفاح الوطني الذي تعددت صوره وتلاحقت أطواره في مواجهة الوجود الاستعماري منذ 1912، إذ شكلت أروع صور الوطنية الصادقة، التي بذل من أجلها الملك والشعب سويا الغالي والنفيس في سبيل عزة الوطن وكرامته والدفاع عن ثوابته وقدساته.

نيل الاستقلال

بعد مرور بضعة أشهر على عودته من المنفى، أعلن المغفور له الملك محمد الخامس انتهاء نظام الحماية الفرنسية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال، بشكل رسمي يوم 18 نونبر من سنة 1956، حيث دخلت المملكة المغربية حقبة جديدة، تمثلت في المقولة الشهيرة لأب الأمة المغربية “لقد خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”، وهي المقولة التي كانت شرارة لانخراط المملكة في العديد من الإصلاحات التي شملت مختلف القطاعات الحيوية، ومواصلة الكفاح في سبيل تحقيق الوحدة الترابية للمملكة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى