عودة الساعة الإضافية.. حينما تصبح عقارب الزمن عبئًا على المغاربة

مع اقتراب نهاية شهر رمضان، يعود الجدل السنوي حول الساعة الإضافية، وكأن المغاربة محكومون بجدلية زمنية لا مفرّ منها. فبعد أسابيع من التأقلم مع توقيت غرينيتش أو ما سمتها وزارة الانتقال الرقمي وتحديث الإدارة الساعة القانونية، في اعتراف ضمني بأن الساعة الإضافية غير قانونية، خلال رمضان، يجد المغاربة أنفسهم مجددًا أمام قرار إضافة 60 دقيقة إلى توقيتهم، وهو الإجراء الذي يُبرَّر رسميًا بضرورات اقتصادية وإدارية، لكنّه لا يتوقف عن إثارة موجة استياء شعبية واسعة.
ساعة مرفوضة.. لكن مفروضة على المغاربة
منذ أن قررت الحكومة تثبيت الساعة الصيفية على مدار العام بموجب المرسوم رقم 2.18.855، بات المغاربة يعيشون حالة من الشد والجذب مع هذه العقارب المتحركة وفق قرارات حكومية ارتجالية، لا تأخذ بعين الاعتبار الوقع الاجتماعي والصحي والنفسي لهذا التغيير المستمر. فبينما تُسوّق الجهات الرسمية مزايا الساعة الإضافية من حيث ترشيد استهلاك الطاقة، تحسين أداء الإدارات، وملاءمة التوقيت مع الشركاء الاقتصاديين الأوروبيين، يرى المواطن العادي في هذا التغيير عبئًا حقيقيًا يؤثر على حياته اليومية، خصوصًا مع تداعياته على النوم، الإنتاجية، وسيرورة الأنشطة الاجتماعية والتربوية.
اضطراب بيولوجي.. واحتقان اجتماعي
إن التأثيرات الصحية للساعة الإضافية ليست مجرد انطباعات، بل أكّدتها دراسات علمية عديدة، حيث يؤدي هذا التغيير القسري إلى اضطرابات النوم، إرهاق بدني، وخلل في الساعة البيولوجية، خاصة لدى الأطفال والمسنين. ومع استئناف التوقيت الصيفي مباشرة بعد رمضان، يجد التلاميذ والعمال أنفسهم مضطرين للاستيقاظ في عتمة الفجر، في حين تتسبب الظلمة الصباحية في زيادة المخاطر المرورية، فضلًا عن التأثير السلبي على التحصيل الدراسي والإنتاجية في العمل.
أما على المستوى الاجتماعي، فإن فرض الساعة الإضافية دون حوار موسّع يعكس تجاهلًا رسميًا للرأي العام، الذي عبّر مرارًا وتكرارًا عن رفضه لهذا الإجراء عبر منصات التواصل الاجتماعي وعبر العرائض التي تطالب بإلغائه. لكن الحكومة تتمسّك بخيار الصمت والتجاهل، وتواصل التبرير بالجدوى الاقتصادية، رغم أن غياب أي دراسة تقييمية شفافة يجعل هذه الحجج محلّ تساؤل وتشكيك.
قرار بلا تقييم.. وسياسة الوقت بدل الضائع.. هل آن الأوان لإعادة النظر؟
فبالرغم من مرور أكثر من ست سنوات على العمل بالساعة الإضافية، لم تقدّم الحكومة أي تقرير موضوعي حول حصيلة هذا القرار، وهل فعلاً نجح في تحقيق الأهداف التي وُضع من أجلها؟ فالمواطن المغربي لا يرى سوى تأثيرات سلبية على حياته اليومية، بينما تواصل الجهات الرسمية التسويق لفرضية غير مدعومة بأرقام دقيقة، وكأن عقارب الساعة لا تعني سوى التقنيين في المكاتب الوزارية، وليس الملايين الذين يدفعون ثمن هذا التغيير في نمط عيشهم وصحتهم وسلامتهم النفسية والجسدية.
ففي ظل هذا الجدل المتكرر، تبدو الحاجة ملحّة إلى مراجعة شاملة لهذا القرار، من خلال فتح نقاش وطني حقيقي حول نجاعة استمرار العمل بالساعة الإضافية، والبحث عن توافق يأخذ بعين الاعتبار المصالح الاقتصادية، دون الإضرار براحة المواطنين وسلامتهم. فالتوقيت ليس مجرد مسألة تقنية، بل مسألة تتعلق بجودة الحياة والاستقرار الاجتماعي، وما دامت الحكومة تُصرّ على تجاهل نبض الشارع، فإن عقارب الجدل ستظل تدور دون توقف، في انتظار من يملك الجرأة لكسر هذا التوقيت المفروض.