” ما كادت تنقضي بضعة أشهر على استقلال المغرب حتى صار السياق الدولي يلهب السياق الوطني، فقد كان في تحويل فرنسا اتجاه الطائرة المغربية التي تقل بن بلة وأربعة من رفاقه إلى تونس في 22 أكتوبر 1956 إهانة للمغرب، وأضفت المشروعية على عمليات جيش التحرير المغربي. وجاءت عملية السويس في نونبر من تلك السنة لتبين أن الإستعمار يسعى إلى الإستمرار على مواقفه بكل الوسائل وكان على الملك أن يحسب حسابا لتلك الوضعية، فأبعد الشخصيات الأكثر فتورا بين أعضاء حكومته، وجعل الغلبة فيها لحزب الإستقلال”.
هكذا يروي الكاتب بيير فيرموريين ، في كتابه (تاريخ المغرب منذ الاستقلال) ، الأحداث التاريخية التي ميزت المغرب منذ استقلاله . وقد خصص في هذا الكتاب حيزا مهما لتاريخ حزب الاستقلال إبان حصول المغرب على حريته من المستعمر.
فقد ذكر بيير فيرموريين أن علال الفاسي زعيم حزب الإستقلال طالب باسترجاع الشمال الشرقي من الصحراء( موريطانيا، والصحراء الإسبانية، كما طالب باسترجاع مساحات شاسعة تشمل أجزاء من مالي، والجزائر وتيندوف). وهو خطاب اعتنقه جيش التحرير المغربي، الذي كان يقوم بعملياته ضد الجيشين الإستعماريين الإسباني والفرنسي في أطراف البلاد. وصار ألوف الرجال ذوو التسليح المتطور يشنون غاراتهم على الجيش الفرنسي ويكبدونه أفدح الخسائر.
“أما على المستوى الداخلي ، يضيف الكاتب، فإن داخل حزب الاستقلال استولى أعضاؤه على وظائف السلطة القضائية والشرطة. ورأى القياديون السابقون في الحزب وغيرهم من الإقطاعيين أنفسهم وقد سحب البساط من تحت اقدامهم، ويستبدلون بالاستقلاليين المعينين من الرباط “.
” بالمقابل شن محمد الغزاوي ، المدير العام للأمن الوطني، سياسة قوامها القمع للمناضلين يسجنهم بتهمة تهديد النظام العام، خاصة منهم مناضلو “منظمة الهلال الأسود” التابعة للحزب الشيوعي المغربي. وقد كانت المصالح التابعة الى الغزاوي من وراء تصفية 800 مقاوم من جملة المقاومين الـ 4500 الذين أحصتهم وزارة الداخلية (البوخاري،2002). فقد كان هذا الرجل يفيد من انتمائه المزدوج، فالمناضل الاستقلالي الذي كان من كبار ممولي هذا الحزب زمن الحماية، قد كان، كذلك، وثيق الارتباط بالقصر” يقول المؤلف .
وأضاف أن وجود الغزلوي على رأس مصالح الأمن ” أدام التباسا بين الحزب والدولة. فصرنا نجد ضحايا القمع الذي أعقب الاستقلال ( الحزب الشيوعي المغربي، وحزب الشورى والاستقلال،وجيش التحرير المغربي..) يستنكرون السياسة القمعية التي طالتهم من حزب الاستقلال” .
” وقد كان هذا اللبس ، برأي الكاتب ، يخدم موضوعيا مصالح القصر . فقد نسب اغتيال عباس المسعدي (القائد العسكري من تازارين في الجنوب) المتحالف مع القصر، في صيف 1956، إلى المناضل النشيط المهدي بنبركة ( وهو ما نفاه البوخاري 2002، واعتبره مؤامرة من تدبير مصالح الغزاوي)، ويعتقد كذلك أن المئات من المناضلين قد اختطفوا وعذبوا واغتيلوا، خاصة في دار بريشة بتطوان. وتلك أطروحة قال بها مناضلو حزب الشورى، ودافع عنها زعيمه السلاوي، الفقيه أحمد معنينو، في كثير من كتاباته (معنينو 1987)”.
وخلص بيير فيرموريين قائلا ” كأننا بحزب الإستقلال تمتلكه نشوة القوة . فهو قد بات يتحكم، تحت رئاسة بن بركة، في المحلس الوطني الإستشاري، الذي أوكله إليه الملك” ، مذكرا بأن الملك ” كان أنذاك قد وعد بأن تكون الملكية دستورية، وبإجراء انتخابات ديموقراطية، لكنه صار يجاهد لتأخير الأجال لتحقيق هذا الوعد. وما كان لقادة حزب الاستقلال أن ينشغلوا للأمر. فقد كانوا مطمئنين إلى نصرهم القريب. وكان الملك يقول إنه يحسب حسابا لهذه القوة، لكنه كان يسعى إلى البقاء قطبا للعبة السياسية”.