في كل عام تحل فيه مناسبة عيد الأضحى على المغاربة، يستذكر بعض من الجيل الأول والثاني لما بعد استقلال المغرب، أحد أكبر القرارات الشجاعة في العهد الملكي السابق للراحل الحسن الثاني، والذي أفضى لإعفاء المغاربة من إقامة شريعة عيد الأضحى قبل 21 عاما من الآن.
وإذا كان إعفاء المغاربة من شعيرة ذبح أكباش عيد الأضحى قد مر بسلام وبقرارات مماثلة للملك الراحل الحسن الثاني، خلال سنتي 1963 حين كان المغرب يعيش أزمة اقتصادية خانقة في أوج حرب الرمال التي خاضها ضد الجزائر، وفي سنة 1981 التي ضرب فيها جفافُُ قاس جل مناطق المغرب، وخلف نفوق عدد كبير من رؤوس الأغنام، فإن القرار الثالث في هذا السياق الذي سيأتي بعد 15 عاما سيخلق جدلا كبيرا.
ففي سنة 1996 حين وجه الملك الراحل الحسن الثاني رسالة إلى الشعب المغربي، تلاها نيابة عنه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الراحل عبد الكبير العلوي المدغري عبر شاشة التلفزيون العمومي، أوضح الحسن الثاني أنه “وبسبب سنوات الجفاف الأخيرة التي مرت ببلادنا والتي جعلتنا نعلن السنة الماضية سنة كارثة وطنية.. ومعلوم أن ذبح الأضحية سنة مؤكدة لكن إقامتها في هذه الظروف الصعبة من شأنه أن يتسبب في ضرر محقق، بسبب ما سينال لماشية من إتلاف وما سيطرأ على أسعارها من ارتفاع يضر بالغالبية لعظمى من أبناء شعبنا لاسيما دوي الدخل لمحدود.. نهيب بشعبنا العزيز ألا يقيم شعيرة ذبح أضحية العيد في هذه السنة للظرورة”.
قرار منع الأضحية عام 1996 كان مختلفا تماما بين الأوساط الشعبية، حيث مازال يتذكر الجميع الحيل والأساليب التي ابتكرت آنذاك من طرف العديدين الذين لم يتقبلوا الأمر، بين أصحاب الذبيحة السرية الذين كانوا يراوغون مراقبة عناصر السلطة العمومية التي كلفت بتغريم المخالفين لقرار الملك، وبين من نشط في تجارة السوق السوداء للحوم الأكباش وتوابعها المذبوحة سلفا قبل يوم العيد.
عبد السلام، أحد الجزارين الذين عايشوا واشتغلوا في تلك الفترة يحكي لـ”برلمان.كوم” كيف “تحولت سوق الأكباش واللحوم ومباشرة بعد إعلان القرار الملكي بمنع إقامة شريعة الأضحى، إلى سوق من المضاربات وسوق سوداء لبيع ما كان مخزنا من لحوم مذبوحة لدى الجزارين، لدرجة وصل فيها ثمن كيلو اللحم الواحد لما يفوق الـ100 درهم، ناهيك عن أثمان توابع الذبيحة (كبد، أحشاء، أرجل، رؤوس..الخ) والتي كانت تفوق بدورها ثمن اللحم متجاوزة عتبة الـ140 درهما”.
ويتابع عبد السلام في حديثه لـ”برلمان.كوم” “لم يكن ارتفاع ثم اللحوم وقبله ارتفاه أثمان الماشية في سوق الفلاحين و”الشناقة” وحده المثير في ذلك الحدث الذي فاجأ مغاربة التسعينات، بل إن الذبيحة السرية التي انتشرت قبيل ليلة العيد، كان أمرا يستحق الاهتمام، حيث كان يلجأ البعض إلى إغلاق فم الخروف الذي اشتراه سرا، بشريط لاصق مع الابقاء على فتحتي أنفه للتنفس، لحين انتقالهم به لأماكن سرية في بعض جنبات المدن النائية، لإتمام عملية الذبح بشكل سري وبعيدا عن أعين وحدات السلطة التي كانت تراقب المخالفين للقرار الملكي”.
ويضيف عبد السلام “ما زلت أتذكر بعض المواقف الطريفة لبعضهم حينها، حيث عمد في غداء يوم العيد إلى اشعال جمر الشواء داخل غرفة نومه المغلقة بإحكام وشي الكبد “بولفاف” الذي اشتراه بشكل سري، متحملا قوة الأدخنة مقابل لذة الشواء، التي قد كانت ستكلفه غرامة إذا ما اشتمت رائحة شوائه من طرف لجن المراقبة”.
ما زال العيديدون وحتى اليوم، يواجهون قرار الملك الراحل الحسن الثاني بكثير من الدهشة المفضية إلى فهم شيء من تاريخ المغرب السياسي الاجتماعي التي حافظ على تماسك بين الشعب والملكية، خصوصا وأن قرارات من هذا النوع، لم يسبق أن شهدها أي قُطر من أقطار العالم الإسلامي في العصر الحديث، وهو برغم ما قيل عنه، أكد تميز المغرب في كل مناهجه وخصوصا المنهج الديني الذي ينهل من نموذجه التاريخي.
https://youtu.be/teIB61POTvY?t=1m6s